للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تطول سكناك في ذلك المكان، ومافعلت ذلك عقاباً لك، وإنما رأيناك تكثر الضجر والتشكي من القال والقيل، فأردنا راحتك بأن نحجب عنك سماع كلام من يرفع لك وينم، حتى تستريح منهم، فقال له: سماع ما كنت أضجر منه أخف علي من التوحد والتوحش والتخلي مماأنا فيه من الرفاهية والأمر والنهي، فقال له: فإذ قد عرفت وتأدبت فارجع إلى ما اعتدته، وعول على أن تسمع كأنك لم تسمع، وترى كأنك لم تر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو تكاشفتم ما تدافنتم "، واعلم أنك أقرب الناس إلي وأحبهم في، وبعد هذا فما يخلو صدرك في وقت من الأوقات عن إنكار علي، وسخط لما أفعله في جانبك أو جانب غيرك، ما لو أطلعني الله تعالى عليه لساءني، لكن الحمد لله الذي حفظ ما بين القلوب بستر بعضها عن بعض فيما يجول فيها، وإنك لذو همة ومطمح، ومن يكن هكذا يصبر ويغض ويحمل، ويبدل العقاب بالثواب، ويصير الأعداء من قبيل الأصحاب، ويصبر من الشخص على ما يسوء، فقد يرى منه بعد ذلك ما يسر، ولقد يخف علي اليوم من قاسيت من فعله وقوله، ولو (١) قطعتهم عضواً عضواً لما ارتكبوه مني ما شفيت فيهم غيظي، ولكن رأيت الإغضاء والاحتمال، لا سيما عند الاقتدار، أولى، ونظرت إلى جميع من حولي ممن يحسن ويسيء فوجدت القلوب متقاربة بعضها من بعض، ونظرت إلى المسيء يعود محسناً، والمحسن يعود مسيئاً، وصرت أندم على من سبق له مني عقاب، ولا أندم على من سبق له مني ثواب، فالزم يا بني معالي الأمور، وإن جماعها في التغاضي، ومن لا يتغاضى لا يسلم له صاحب، ولا يقرب منه جانب، ولا ينال ما تترقى إليه همته، ولا يظفر بأمله، ولا يجد معيناً حين يحتاج إليه، فقبل المنذر يده وانصرف، ولم يزل يأخذ نفسه بما أوصاه والده حتى تخلق بالخلق الجميل، وبلغ ما أوصاه


(١) ب: من لو.

<<  <  ج: ص:  >  >>