للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأبهمت دوننا أبواب القول، فدخل الزهيري، وكان أمياً لا يذكر من الكلام إلا ما علق بنفسه في المجالس، وينفذ مع هذا في المطولات من الأشعار، فأشعر بأمرنا، فجعل يقول دون روية:

ما للأدبين قد اعيتهما ... مليحةٌ من ملح الجنّه

نرجسةٌ في وردةٍ ركبّت ... كمقلة تطرف في وجنه ٤٣٣ - وقال أبو محمد ابن حزم في " طوق الحمامة " (١) :

خلوت بها والرّاح ثالثةٌ لنا ... وجنح ظلام الليل قد مدّ واعتلج (٢)

فتاةٌ عدمت العيش إلا بقربها ... فهل في ابتغاء العيش ويحك من حرج

كأني وهي والكأس والخمر والدجى ... حياً وثرىً والدرّ والتبر والسبج قال: وهذه خمس تشبيهات لا يقدر أحد على أكثر منها إذ تضيق الأعاريض عنه.

قال أبو عامر ابن مسلمة: ولا أذكر مثلها إلا قول بعض:

فأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ فسقت ... ورداً وعضّت على العنّاب بالبرد (٣) إلا أنه لم يعطف خمسة على خمسة كما صنع ابن حزم، بل اكتفى بالعلم في التشبيهات.

قال: ومن أغرب ما وقع لي من التشبيهات في بيتٍ قول ابن برون الأكشوني (٤) الأندلسي يصف فرساً ورداً أغر محجلاً:


(١) طوق الحمامة: ١٦.
(٢) الطوق: قد مد ما انبلج.
(٣) هامش م: المراد به الوأواء الدمشقي من قصيدته الفريدة ... إلخ. قلت انظر ديوانه: ٨٤.
(٤) لعلها " الأكشونبي "؛ وسقطت لفظة " برون " من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>