للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن سلمة، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأقدت عليه، ليس أبا الدرداء " فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع، وخمنه اسم ليس، فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس ههنا استثناء، فقال سيبويه: سأطلب علماً لا تلحنني فيه، فلزم الخليل، وبرع في العلم.

وأما سبب وفوده على الرشيد ببغداد وتعرضه لمناظرة الكسائي والفراء، فلما كانا عليه من تمكن الحال، والقرب من السلطان، وعلو همته، وطلبه للظهور مع ثقته بعلمه؛ لأنه كان أعلم أهل زمانه، وكان بينه وبين البرامكة أقوى سبب، فوفد على يحيى بن خالد بن برمك وابنيه جعفر والفضل، فعرض عليهم ما ذهب إليه من مناظرة الكسائي وأصحابه، فسعوا له في ذلك، وأوصلوه إلى الرشيد، فجرى بينه وبين الكسائي والفراء ما ذكر واشتهر، وكان آخر أمره أن الكسائي وأصحابه لما ظهروا عليه بشهادة الأعراب على حسب ما لقنوا أن قال يحيى بن خالد أو الكسائي للرشيد، ياأمير المؤمنين، إن رأيت أن لا يرجع خائباً فعلت، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وانصرف إلى الأهواز، ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمداً، ويروى أنه ذربت معدته فمات، فيرون أنه مات غماً، ويروى أن الكسائي لما بلغه موته قال للرشيد: ده يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن أكون شاركت في دمه، ولما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فقطرت دمعة من دموعه على خده، فرفع عينيه وقال:

أخيين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى، ومن يأمن الدهرا ومات على السنة والجماعة، رحمه الله تعالى.

وأما كتابه الجاري بين الناس فلم يصح أنه أنشأه بعد كتاب آخر قبله، على أن ذلك قد ذكر.

فهذا ما حضر فيما سألت عنه؛ فمن قرأه وأشرف فيه على تقصير فليبسط

<<  <  ج: ص:  >  >>