للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقول وأهل النظر والتحصيل من كل ملّة وأمة وقرن وبلدة يرون انّ الشرك في الحرب كالشرك في الملك وأنّهما كالشرك في الزوجة، وأنّ الخطأ في ذلك لا يستقال والوهن لا يستدرك، وأنّ هذه الخصال فاحشة الضرر سيئة الاثر، لا يثبت معها إلف ولا يصلح عليها تدبير؛ فاحتملوا ما في التشابه من ضرر التساند لنكود الاخلاق ولشرف الحميّة ولما كانوا عليه من حميّة الجاهلية.

ألا ترى أنّ مروان بن محمّد لما استبدل قيس عيلان الجند بقيس عيلان الجند، من أبناء قحطان، كيف ظهر انتشار أمره واضطرب حبله واختلفت الكلمة وتقطّع النظام وانحلّت العقد وأدبر الملك وركدت الريح؟ هذا وقيس عثمانية عند أنفسها جماعيّة دعاميّة فيما تذهب إليه سلطانيّة، كذلك اصطهرت إليها الملوك، يعني المصاهرة دون النزارية بالانفس، ووليت العراق المرار الكثيرة والثغور العظام والمهم من الأمور الجسام؛ ولم يفعلوا ذلك بتميم ولا بربيعة لما كان فيها من النزوح والخارجية، ولذلك قلت الفتوح في تميم وربيعة؛ وكانت قيس في جملة أمورها ومعظم تدبيرها زارية على الشيعة ناقمة عليها، نافرة من الخوارج ناهية عنها؛ وقد عرفت ما كان من شأن زفر ابن الحارث ومجاشع إبن مسعود وحاتم بن النعمان والجحّاف بن حكيم، وحال كلّ من سيّره عليّ من البصرة بعد وقعة الجمل الى الجزيرة؛ ثمّ مع ذلك ما برحت أن نزعها ذلك العزم وجذبها ذلك الطمع ولم تدعها الرحم من نزار، وعرف مروان فضل رأي أسلافه على رأيه وتدبيرهم على تدبيره.

ولعلّ قائلا يقول: «فأين ربيعة السامعة المطيعة وكانت شطر نزار ومعظم الفرسان؟ أو ما كانوا في طاعة عليّ مجتهدين وعلى معاوية مطيعين، حتى هجروا فيه الإخوان والجيران وفارقوا من أجله الأوطان كصنيع عجل بالبصرة وانتقالهم بعد نصرته يوم الجمل إلى الكوفة حتى نزلت ديارهم وصارت في ربوعهم الازد، يتقدّمها ابن نوح؟ قال في ذلك الشاعر:

وشيّب رأسي قبل حين مشيبه ... نزول العبيد في ديار بني عجل

<<  <   >  >>