للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرّ، بعد أن ذاقوا الخفض ووجدوا مسّ المهاد وشمّوا ريح الأولاد، وبعد ان عاينوا من عدد الجرحى والصرعى والقتلى، وبعد أن وجدوا خشونة المسّ ومنع الجانب، وبعد أن قال كبراؤهم: «لا نعود حتى نشمّر الكراع ونحدّ السلاح ونجبي المال» .

وأنا واصف لك جملة القول في الحكمين، إن كان كتابنا هذا يعجز عن التفسير، فأفهمه واعلم اني وجدتّ الذين خطؤوا عليّا في ذلك لم تجاوز تخطئتهم له ثلاثة أوجه: أحدها اختيار أبي موسى بعينه وفي العسكر من هو أدهى منه وأنصح، وقد قلنا في ذلك جملة كافية إن شاء الله؛ والوجه الآخر إنكارهم حكم الرجال في الأمر الذي قد بينه الكتاب وقطع عليه الشهادة وعرّفهم فيه وجه الحقّ وهو قوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ

، وإنّه مثل قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ

؛ فكما أنه ليس لعليّ ولا لغيره أن يحكّم الرجال في قطع السارق وفي الامساك عنه وفي ضرب الاجل له، لما ظهر في الآية من الدلالة، فكذلك ليس له ولا لغيره أن يحكم في قتال الفئة الباغية ويترك ما ظهر في صورة الآية وفي ظاهر الكتاب.

والوجه الثالث أنهم قالوا: لم يكن يخلو عليّ في ترك قتالهم، وقد دعوناه إليه، من وجهين: إمّا أن يكون كان عاجزا معذورا أو قويّا غير معذور، فالعذر في ترك القتال واقع، بل قد فرض الله عليه أن لا يعرض قليل من معه لكثير من مع عدوّه من الاعداء، وعليه أن يعرف ذلك الجاهل ويكفّ عمّن عرف الغمر المتسرّع، فان قبلوا كان قد بلغ ما أراد من الشفقة والحيطة، وإن ردّوا ما قصده كان قد أعذر وأنذر، فظهر في العوامّ عذره وثبتت على سائر الانام حجّته، وإن كان قويا وكان بمثل عدده وعدّته يزال الظلم ويدحض الباطل ويقمع العدوّ، فعليه أن يقاتل: فإن ظفر كان مطيعا منصورا، وإن ظفر به كان مطيعا معذورا.

<<  <   >  >>