للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد قلنا في تنازعهم واختلاف قلوبهم ونكوبهم إلى أوطانهم وفي سآمتهم بما قد سمعت، وقد علمنا أنّ من جمع بين القلوب المختلفة والقلوب المؤتلفة وإن كان عدّة المختلف فوق عدّة المؤتلف، إنه مذموم التدبير مسخوط التقدير؛ وإذا كانوا كذلك فالرأي ان يكتم الناس داءهم وعيبهم ولا يفطن لذلك عدوّهم بكلّ ما أمكن من الحيلة وبلغه التدبير، وأن يستأني بهم ويتلطف لهم وينتظر أوبتهم وإفاقتهم من سكرتهم وانتباههم من رقدتهم إلى غاية وإلى نهاية، ولا يعجل الى تفريقهم ما دام الطمع في تراجع قلوبهم ممكنا وكان الأمل في تعايرهم وتراجزهم مأمولا.

فان قال قائل: لا نستطيع أن ننكر أنّه قد كان هناك خلاف يوم رفع المصاحف، ولكنّا قد علمنا أنّ الذين عصوه يومئذ في قطع القتال هم الذين أطاعوه اليوم في معاودة القتال، نادمين على ما كان وسلف منهم، مقرّين بالخطإ على أنفسهم، مذعنين لصواب رأيه دونهم، وهم كانوا العصاة يوم عصوه، وصار هو العاصي يوم عصاهم، لأنه دعاهم للقتال فأمسكوا عند رؤية المصاحف، ثمّ دعوه بعد أن تبيّنوا المكيدة التي كانت بانت له يومئذ، فدخل في مثل ما دخلوا فيه؛ إلّا أنّ القوم كانوا أعذر منه لفضل علمه ونقصهم عن كماله وأنّ الشبهة عليهم يوم رفع المصاحف كانت أغمض والنفوس أشغل والرأي أقلّ من الشبهة عليه يوم جاوزوه نادمين سادمين ومقرّين متغايرين ومستغفرين نازعين؛ قلنا لهؤلاء القوم: إن كان الشأن في اختلاف ألسنتهم وقلوبهم وفي سوء طاعتهم وفي تثاقلهم عن قتال عدوّهم وركونهم الى المقام في أهلهم ليس على ما حكينا ولا على ما ثبت به الخبر عندنا، وإنما كان ذلك في قليل من كثير وفي مقدار لا ينقص الجمهور الاعظم ولا ينقض قوى السواد الاكبر، فهل يخلو تركه لقتالهم من وجوه أنا ذاكرها لكم؟ فان كان عندكم وجه غير ما ذكرنا أو نحن ذاكروه فاذكروه.

لا يخلو ترك عليّ لقتالهم، إن لم يكن ما قلنا حقّا، من أن يكون صار جبانا أو عاد منخوب القلب هيوبا بعد أن كان أشدّ الناس أشرا وقلبا

<<  <   >  >>