وأتمهم بصيرة وعزما؛ وإمّا أن يكون طمع في نزوع معاوية وتوبة عمرو، وإمّا أن يكون ذلك منه على طريق الندم على «ما أراق من الدماء ومن عدد القتلى، فتاب من ذلك إذ استبدل باليقين الشكّ وبالاستبصار الشبهة؛ وإمّا أن يكون الخرف عجل عليه قبل وقت لداته وقبل العادة المعرو [فة] في رهطه، فظهر ذلك في تدبيره وغلبه الاختلاط في قوله وعمله؛ وما علمنا أنّ احدا من المخالفين والموافقين ولا من أهل الوقت ولا ممّا ينسب إلى الحشو ادّعى ذلك عليه ولا قرفه به؛ وكيف يقول ذلك قائل ويطمع في القبول عنه طامع وهو يعلم أن قوله مر [دود] مكذّب ورأيه مسخوط معتلّ! فاختاروا خصلة من خصلتين: إمّا أن توجدوا وجها لم يذكر، وإمّا أن تثبتوا عبثا أنّ عليا قد كان اعتراه بعض ما ذكرنا من الجبن أو من الخرف أو الطمع في نزوع معاوية أو الندم على ما سلف منه؛ فعلى أي الخصال تعتمدون وأيّها تدعون؟ إن ادّعيتم الجبن على أشد الناس قلبا وأشرا وأكثرهم للاقران قتلا وأيمنهم نقيبة وأشدّهم بصيرة، أكذبتم الامّة وبهتتم حكم المعرفة؛ أمّا عد [د] قتلاه وجرحاه وصرعاه ومن فرّ منه وترك التعرض له، فلا أعلم ذكرهم إلّا فضلا من القول، وما ذلك إلا كمن التمس الزيادة في العامة إذا مدّ البحر بالفطن، وأمّا تتابع الظفر ويمن النقيبة فقد علمتم الذي تهيّأ له من قتل العظماء والسادة والنجباء وأنّ ذلك أعظم العناء، وأنه لم يتوجّه في جيش قطّ إلا كان هو المنصور وعدوّه المخذول، كشأنه وشأن بني زبيد، وكشأنه وشأن أصحاب الجمل، وكشأنه وشأن أصحاب النهروان، وهل قاومه عدوّ قطّ، إلّا ما كان في بعض ساعات أيّام صفّين؟ وهل أتى في ذلك من قبل نفسه ومن تدبيره وتصميمه ومن تعبئته؟ وهل أتي إلا من جنده؟ وهل منع من الظفر بهم إلا بما صنعوا بانفسهم؟
وقد علمتم ان معاوية قد كان القى بيده وأيس من نفسه حين أحدقت به الرماح وقصد له عبد الله بن بديل في أهل البصائر ومنعه من الفرار بزعمه الذي ذكر في شعر ابن الإطنابة بقوله: