للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يدعه يبيت بالشام ليلة واحدة وقال له: إلحق بأهلك فإنك لم تغنمهم شيئا هو أنفس منك ولا أرد عليهم من حياتك، أخاف عليك طواعين الشام، وستلحقك الحوائج على ما تشتهي وتحب. وإنما كره أن يروه ويسمعوا كلامه فلعله أن يبذر في قلوبهم بذرا، ويغرس في صدورهم غرسا. وكان أعظم خلق الله قولا بالجبر حتى يتجاوز الجهمية ويربي على كل ذي غاية صاحب شنعة، وكان يصنع في ذلك الكتب مع جهله بالكلام وقلة اختلافه إلى أهل النظر. وقال له شوذب الخارجي: لم لا تلعن رهطك وتذكر أباك إن كانوا عندك ظلمة فجرة؟

فقال عمر: متى عهدك بلعن فرعون؟ قال: ما لي به عهد. قال: أفيسعك أن تمسك عن لعن فرعون ولا يسعني أن أمسك عن لعن آبائي!؟؟ فرأى أنه قد خصمه وقطع حجته، وكذلك يظن كل من قصر عن مقدار العالم وجاوز مقدار الجاهل! وأي شبه لفرعون بآل مروان وآل أبي سفيان؟ هؤلاء قوم لهم حزب وشيعة وناس كثير يدينون بتفضيلهم وقد اعتورتهم الشبه في أمرهم، وفرعون على خلاف ذلك وضده، لا شيعة له ولا حزب ولا نسل ولا موالي ولا صنائع ولا في أمره شبهة؟ ثم إن عمر ظنين في أمر أهله فيحتاج إلى غسل ذلك عنه بالبراءة منهم. وشوذب ليس بظنين في أمر فرعون. وليس الإمساك عن لعن فرعون والبراءة منه مما يعرفه الخوارج. فكيف استويا عنده!؟. وشكا إليه رجل من رهطه دينا فادحا وعيالا كثيرا فاعتل عليه، فقال له: هلا اعتللت على عبد الله بن الحسن؟ قال: ومتى شاورتك في أمري؟ قال: أو مشيرا تراني؟ قال:

وهل أعطيته إلا بعض حقه؟ قال: ولم قصرت عن كله؟! فأمر باخراجه وما زال إلى أن مات محروما منه. وكان عمال أهله على البلاد عماله وأصحابه.

والذي حسن أمره وشبه على الأغبياء حاله أنه قام بعقب قوم قد بدلوا عامة شرائع الدين وسنن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الناس قبله من الظلم والجور والتهاون بالاسلام في أمر صغر في جنبه ما عاينوا منه وآلفوه عليه.

فجعلوه بما نقص من تلك الأمور الفظيعة، في عداد الأئمة الراشدين. وحسبك من ذلك أنهم كانوا يلعنون عليا على منابرهم فلما نهى عمر عن ذلك عد محسنا.

<<  <   >  >>