اعلم إن المشدد دوَره في القرآن كثير فيجب على القاري معرفته ومعرفة كيفيته ورتبته لأن من علم عمل إن وفقه الله تعالى ومن لَمْ يعلم لا يرجى منه خير أبدا لا لنفسه ولا لغيره وكل حرف مشدد قايم مقام حرفين أولهما ساكن والثانَّي متحرك فلا بد من بيان التشديد وإعطائه حقه حتى يتميز عما ليس بمشدد فان من ترك التشديد فقد ترك حرفا من القرآن وهو لا يحل ولذلك اعتنى العلماء بتعداد تشديدات الفاتحة وحذروا من تركها. والمشدد أربعة أقسام الأول الذي لم يتكرر نحو الرَّحمن الرَّحيم وإيَّاك ومبيَّنة وبين وعَلَّمَ والجَنَّة كلاَّ بل رَّان، الثاني ما تكرر مرتين نحو اطَّيَّرنا وذُرّيَّة وازّيَّنَتْ ويصَّعَّد ويذَّكَّرُون من مُّدَّكِر وهذا أعسر من الأول لعسر التشديد المكرر ولهذا ترى كثيرا من الناس يترك التشديد الثاني ولا يعطيه حقه وهو لحن لا يجوز.
الثالث ما تكرر ثلاث مرات وإنما يكون ذلك بين كلمتين فاكثر نحو دُرّيٌّ يوقد وعلى أمم مّمّن مّعك، الرابع ما تكرر في أربع مرات نحو في بَحْر لّجّيّ يَغشاهُ وجعل مكي الأقسام ثلاثة وجعل هذا مما تكرر فيه التشديد ثلاث مرات والصواب ما ذكرناه.
فان قلت مذهب الداني هو المشهوَر عند أهل الرسم إن علامة التشديد لا توضع ألا على أربعة أحرف التي يجمعها قولك " لم نر " وهي اللام والميم النون والراء تنبيها على أن لفظ التنوين أدْغم في ذلك الحرف إدغاما تاما قلب لأجله التنوين وصار من جنس ذلك الحرف وأما حرفا الإدغام الناقص وهما الواو والياء فلا تقع علبهما علامة التشديد ويا يغشاه من هذا لم تقع عليها عِلامة التشديد وَلهذا لم يعده مكي، فالجواب أن يا يَغْشَاهُ وإن لم توضع عليها علامة التشديد فقد وقع التشديد في اللفظ وأيضا فقد عُدَّ مما تكرر فيه التشديد ثلاث مرات قوله تعالى دُرِّيُّ يُوقَدُ ويا يوقد كبا يغَشَاهُ بلا شك بل قد صرح بالتشديد في ذلك حيث قال وتشدد الثالث وهو اليا من يُوقدُ ويغَشَاهُ -