وهو باب مهم ولهذا لم يهمله أحد من أيمة القراءة والتجويد في تواليفهم لأن دور أحكامه على لسان التالي اكثر من غيره وكثرة الحكم تستلزم كثرة العمل وكثرة العمل تستدعي كثرة الثواب واليه الإشارة بقولِ الحصري:
وفي النون والتنوين عندي مسايل ... بها تعْتَلي فوق السماكين والنسْر
اعلم أولا إن النون الساكنة تكون في وسط الكلمة وفي اخرها وتكون في الاسم والفعل والحرف وفي الوصل والوقف وستأتي أمثلة ذلك، وأما التنوين فلا يكون من إلا في الاسم المنصرف العاري عن الألف واللام وعن الإضافة وإنما، يكون في الوصل لا في الوقف وفي اللفظ لا في الخط ودليله تكرر الحركة.
وأحكام النون الساكنة والتنوين جعلها اكثر المؤلفين أربعة أقسام والتحقيق انها ثلاثة تتفرع إلى خمسة أظهار ولا تفريعَ فيه، وإدغام وهو يتفرع إلى قسمين إدغام محض وإدغام غير محض، وإخفاء وهو يتفرع أيضا إلى قسمين إخفاء مع قلب وإخفاء بلا قلب.
أما الإظهار فهو الأصل ويكون عند حروف الحلق الستة هي الهمزة نحو يَنْئَوْنَ عنه ولا ثاني له مَنْ أمنَ كْلٌّ أَمَنَ، والهاء نحو منها وأنهار ومن هَادٍ وجُرْفٍ هَارٍ، والعين نحو أنْعَمْتَ، من عَمِلَ، عَذَابٌ عَظيمٌ، والحاء نحو وانْحَرْ، من حَيْثُ، عَليمٌ حَكيمٌ، والغين نحو فَسَيُنْغِضُونَ مَنْ غَلَّ، من إلهٍ غَيْرُهُ، والخاء نحو والْمنُخَنِقَةُ، مَنْ خَفَّتْ عَلِيمٌ خَبيرٌ ولا خلاف بين القراء في إظهار النون الساكنة والتنوين عند هذه الحروف الستة إلا ما وقع لأبى جعفر من القراء العشرة من الإخفاء عند الغين والخاء المعجمتين واستثنى بعض أهل الأداء له فَسَيُنغِضُونَ. وإنْ يَكُنْ غَنِيّاً والْمنْخَنِقَةُ فاظهر النون فيها كساير القراء.