للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد عرف العلماء المسلمون الدين بتعاريف مختلفة منها تعريف ابن الكمال بأنه: وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عن الرسول، وقال غيره بأنه: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل، وعرفه الدكتور محمد عبد الله دراز: بأنه ما شرعه الله على لسانه نبيه من الأحكام, وسمى دينًا لأننا ندين به وننقاد له١.

إن مفهوم الدين في الإسلام واسع لا يقتصر على النواحي الاعتقادية والتعبدية فهو يشمل نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها الاعتقادية والتعبدية والفكرية والخلقية والعلمية والعملية والاقتصادية وغيرها، فإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع الله وسلطته، فهو دين الله الحق، وإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع البشر والحكام وسلطانهم فهو دين الحكام، وهو دين باطل، ويجب البراءة منه كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوجيه الله تعالى له أن يقول للكفار الذين عبدوا الأصنام وشرعوا من عند أنفسهم ما لم يأذن به الله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} ٢، وقد بين ابن القيم رحمه الله٣: بأن هذه الآية ليست إقرارًا من الرسول صلى الله عليه وسلم لدين الكفار ورضًا به, بل هو أمرَ بالبراءة من دينهم وكلِّ دين باطل، والمعنى أن الدين الذي أدين به غير دينكم الباطل الزائف.

وقال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} ٤، فواضح في هذه الآية أن الدين يشمل النظام العام في البلاد وفي جميع مناحي الحياة؛ لأن نظام الملك وشرعه، ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه جزاء سرقته، إنما كان هذا نظام يعقوب وشريعة دينه، فالدين هنا هو النظام والشرع،


١ انظر الدين ٢٨.
٢ سورة الكافرون آية ٦.
٣ انظر كتاب بدائع الفوائد ١/١٣٨-١٤١.
٤ سورة يوسف آية ٧٦.

<<  <   >  >>