أولًا: طريقة الفلاسفة في الاستدلال على واجب الوجود
يتبع الفلاسفة في الاستدلال على واجب الوجود طريقة الإمكان والوجوب, فيقولون بأن كل ما كان ممكن الوجود والعدم لم يوجد منذ الأزل؛ لأنه يعلم بالضرورة أن حالة الإمكان المحض -أي العدم- سابقة على مرحلة الوجود الفعلي لهذا الممكن، فلما كان كل موجود نراه ممكنًا، فقد وجب أن تكون حالة العدم والإمكان المحض سابقة لجميع الموجودات، وعليه فإن الممكن لا يوجد كائنًا غيره علويًّا أو سفليًّا، ولما كانت حالة العدم وإمكان الوجود السابق لجميع الموجودات فقد وجب أن يكون موجودًا سابقًا لحالة العدم هذه، ووجوده واجب وهو الإله.
وبعضهم يقول بأننا إذا نظرنا إلى الموجودات من حولنا فإننا نرى أشياء توجد بعد أن لم تكن، وأشياء تنعدم بعد وجودها، وهذه الأشياء لا تخرج عن كونها مستحيلة الوجود أو ممكنة أو واجبة، والقول باستحالتها باطل لأنها موجودة، ووجوب وجودها باطل كذلك لأن الواجب لا يعدم، فبقي أنها ممكنة الوجود، والممكن محتاج إلى سبب لوجوده, وهذا السبب لن يكون عين الشيء الممكن ولا جزأه لاستلزام تقدم الشيء على نفسه، فوجب أن يكون هناك سبب وراء الممكنات كلها وهو واجب بنفسه يمنح الممكنات وجودها, وهذا الواجب الوجود هو: الله.
وبعض الفلاسفة يسلك للتدليل على واجب الوجود طريقًا آخر فيقول: كل ممكن فهو معلول قطعًا، والمعلول لا بد له من علة أولى لا يتطرق إليها الإمكان ويجب وجودها بنفسها، وهذه العلة الأولى هي: الإله١.
١ انظر رسالة التوحيد لمحمد عبده ص١٨-٢١ ونظرية التكليف د. عبد الكريم عثمان ص١٥٦.