ونلاحظ أن كل هذ الاستدلالات على وجود الله عند الفلاسفة مرجعها إلى الإمكان والوجوب وملخصها: أن الموجود إما أن يكون واجبًا أو ممكنًا، والممكن محتاج إلى مؤثر واجب وإلا لزم الدور والتسلسل فثبت أن الممكن وجوده بغيره، والواجب وجوده بذاته وهو السبب الأول لجميع الممكنات الموجودة والعلة الأولى لكل المعلولات.
ويجب أن نلاحظ هنا أن الفلاسفة إذا قالوا بإمكان الموجودات -والعالم كله ممكن الوجود- فإنما يعنون أن لهذا العالم مادة قديمة أزلية وجودها متقدم على وجود العالم وهي ما يسمونها الهيولي، هذه الهيولي معلولة عن العلة الأولى بشكل حدوث ذاتي، وهي تتحرك للتشبه بهذه العلة، فالعلة أولى لغيرها وهي آمرة للفلك بالتحرك للتشبه بها كما يتحرك العاشق نحو المعشوق, وحدوثه عنها حدوث ذاتي لا حدوث زماني.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"والمعنى الثالث الذي أحدثه الملاحدة كابن سينا وأمثاله قالوا: نقول العالَم محدَث أي معلوم لعلة قديمة أزلية أوجبته فلم يزل معها, وسموا هذا الحدوث الذاتي وغيره الحدوث الزماني، والتعبير بلفظ الحدوث عن هذا المعنى لا يعرف عن أحد من أهل اللغات لا العرب ولا غيرهم إلا من هؤلاء الذين ابتدعوا لهذا اللفظ هذا المعنى, والقول بأن العالم محدث بهذا المعنى فقط ليس في قول أحد من الأنبياء ولا أتباعهم ولا أمة من الأمم العظيمة.."١.
١ موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ١/٧٢ وانظر ص٦٩-٧٠ وانظر تاريخ الفلسفة العربية د. جميل صليبا. ص٢٢٣.