للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- ملاءمتها للفطرة وخلوها من التعقيد

إن طريقة القرآن الكريم سهلة واضحة ملائمة للفطرة خالية من التعقيد؛ لأن القرآن الكريم هو كلام الله وهو يخاطب الإنسان بالطريقة التي يعلم سبحانه وتعالى أنها تؤثر فيه وتصل إلى أعماق قلبه وتهز مشاعره فيستجيب، وهي طريقة تخاطب القلب والعقل وتواجه النفس البشرية بما ينمي الفطرة ولا يكفلها عنتًا أو يفرقها مزَقًا، ومن ثم فإنها تعصم الفطرة من الاتجاه لغير الله.

هذا وقد ترفعت طريقة القرآن عن أن تكون قضايا ذهنية مجردة كما هي طريقة الفلاسفة والمتكلمين، تلك الطريقة الجافة المعقدة المليئة بالاصطلاحات الغامضة والمقدمات الكبرى والصغرى، بل سلكت أقرب الطرق وأيسرها، فجاءت بأدلة موجزة مختصرة بليغة مفيدة للمقصود كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ١، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على هذه الآية: "ما أحسن هذا البرهان، فلو قيل بعده وما فسدتا فليس فيهما آلهة إلا الله، لكان هذا من الكلام الغث الذي لا يناسب بلاغة التنزيل"٢.

إن القرآن لم يستعمل أقيسة الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلال على مسائل العقيدة؛ لأنه جاء بلسان العرب وخاطبهم بما يعرفون، وكلما كان الاستدلال أقرب إلى الفطرة والمحسوس دون تعقيد في الألفاظ والمعاني، كان أقوى أثرًا وأبلغ حجةً، وابتعاد القرآن عن الغموض في أدلته جعلها مستلزمة لمدلولها عينًا من غير احتياج لاندراجها تحت قضية كلية، وانتقال الذهن من العلم بالدليل القرآني إلى العلم بالمدلول مباشرة ولأدلته على الله بعينه: استدلال يستوي في إدراكه كل العقول مع أنه ليس بقياس، وأقيسة المناطقة تدل على قدر مشترك بين الله تعالى وبين غيره.


١ سورة الأنبياء آية ٢٢.
٢ الفتاوى ١٤/٦٠ وانظر تفسير الكشاف ٢/٥٦٧.

<<  <   >  >>