للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- طريقتهم غير عملية ولا تناسب جميع الناس, لاعتمادها على ألفاظ مستوردة:

ومما تمتاز به طريقة المتكلمين أنها غير عملية ولا تناسب جميع فئات الناس فاعتمادها على المنطق اليوناني بأقيسته وقضاياه الجزئية والكلية لم يجعلها طريقًا لدخول الناس في دين الله؛ لأن المنطق اليوناني ذهني مجرد لا ينفذ إلى أعماق النفس، بل إن مباحث علم الكلام بدت غريبة غربة كاملة عن الإسلام ومنهجه وأسلوب الدعوة إلى عقيدته الصافية, لما خلط المتكلمون بين المصطلحات اليونانية ومبادئ العقيدة الإسلامية وأسلوب عرضها ووسائل الدفاع عنها، فلم يفرقوا بين عقيدة خالدة وبين أسلوب زمني عارض قابل للتغيير والتبديل, حتى صارت بين العقيدة النظرية في علم الكلام وبين العقيدة الحية الواقعة في القرآن هُوَّةٌ بعيدة.

لقد بحث المتكلمون في مسائل العقيدة وهم يحملون أفكارًا ومقررات غير إسلامية, وأخذوا يطبقونها على العقيدة ومسائلها, كمسألة الذات والصفات وغيرها من المسائل التي لم ترد في القرآن ولا اعتنى بها الجيل الأول.

وقد ذم شيخ الإسلام ابن تيمية طريقتهم مبينًا ما فيها من مصطلحات غير إسلامية من لغات الأمم الأخرى، وأن كل أمة تفهم من هذه المصطلحات غير ما تفهمه الأمة الأخرى، ومن هنا تظهر الخطورة المترتبة على حركة الترجمة للكتب المنطقية اليونانية والتي حاول أصحابها المزج والتقريب بين الفلسفة والدين، إذ إنه ليس من السهل أن تعرض مسائل العقيدة الإسلامية السهلة الفطرية -بقوالب فلسفية جافة غريبة عن طبيعة هذا الدين، ولهذا جاءت معظم مسائل العقيدة عند المتكلمين مشوبة بشيء من التكلف والتعقيد والجفاف، مما جعلها لا يحصل بها العلم النافع ولا العمل الصالح، لأن العلم بالصانع ووحدانيته يمتنع أن يكون موقوفًا على طريقة فاسدة.

<<  <   >  >>