هذه القصة أقرب من غيرها لأهل مكة من ناحية الزمان والمكان, فمكان الأخدود الذي أحرق فيه المؤمنون هو نجران الواقعة جنوب الجزيرة, وزمانها كان بعد عيسى وقبل محمد صلى الله عليه وسلم وليس بينهما رسول.
ولا شك أن العرب قد يكون عندهم علم بالقصة قبل نزول القرآن, إما لتناقل الأجيال لها أو لسماعهم إياها من أهل الكتاب, إلا أن هذا النقل قد يكون مشوهًا؛ فجاءت هذه السورة تبين أمر هؤلاء.
وتتلخص القصة بأن جماعة من أتباع دين عيسى عليه السلام كانوا على التوحيد الخالص لله ويعتقدون أن عيسى بشر رسول, وكانوا قريبًا من عشرين ألفًا، وكان حاكم اليمن آنذاك ذو نواس الحميري وكان يهوديًّا، فملأ الغيظ قلبه لانتشار النصرانية بنجران، فعزم على أن يفتن هؤلاء الموحدين عن دينهم وأن يجبرهم على اليهودية وأن يقولوا بعيسى بقول اليهود، فجهز جيشًا كثيفًا وسار نحو هذا الجزء الشمالي من مملكته وطلب منهم ما يريد، لكنهم امتنعوا وأبوا عليه ذلك الانحراف عن عقيدة التوحيد إلى الشرك والوثنية بعدما ذاقوا حلاوة التوحيد، فأمر جنده فخدوا أخدودًا عظيمًا وأضرموا فيه النار وجعلوا يلقون المؤمنين في النار فرحين بمنظر النار تأكل وتذيب شحومهم حتى قضوا عليهم جميعًا ولم يفرقوا بين كبير وصغير ورجل وامرأة.
وقد خلد الله ذكر هؤلاء المؤمنين الموحدين الذين لقوا الموت في سبيل عقيدة التوحيد ولعن الله الكافرين أصحاب هذه الفعلة الشنيعة، مبينًا في القصة مصير
١ انظر سورة البروج كاملة وتفسيرها في تفسير الطبري ٢٠/١٢٧ وفي تفسير ابن كثير ٤/١٩١.