للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذه النقطة نعرف مدى توافق طريقة القرآن الكريم مع الفطرة حتى أن كل إنسان ولو كان ملحدًا يشعر في أعماق نفسه بالاستجابة والإصغاء لهذه الطريقة؛ لأن الفطرة نفسها تنفر من التعقيد والمصطلحات الجافة، ولما كانت الفطرة قدرًا مشتركًا بين جميع الناس دخل في الدين فئات مختلفة، ولو سيقت أدلة القرآن بطريقة المناطقة ما آمن به إلا القليل لأن المنطق هو حظ الأقلية١.

وفي مقابل استعمال المناطقة للأقيسة التي لا تدل على الله بعينه إنما تدل على قدر مشترك بينه وبين غيره، نجد أن القرآن استعمل قياس الأولى وهو أن كل كمال للمخلوق فالخالق أولى بالاتصاف به، وكل نقص تضمن سلب هذا الكمال عن المخلوق فالخالق أَوْلَى بالتنزه عنه، وهذا القياس يفهمه كل الناس على اختلاف مداركهم، كما في نفيه تعالى البنت عن نفسه مشيرًا أن المشركين لا يرضونها لأنفسهم، وكما في نفيه الشركة في الملك والرزق مشيرًا بأن السادة لا يشركون عبيدهم فيما يخصهم، فالخالق أولى بهم في ذلك لأنه له المثل الأعلى٢.


١ انظر الفتاوى ٢/٨ وص ٤٧٢ والرد على المنطقيين ص ٣٤٤ ومدارج السالكين ٣/٤٨٦-٤٨٧ وضحى الإسلام ٣/١٣.
٢ انظر الفتاوى ١٤/٤٣٧ والرد على المنطقيين ص١٥٠ وص ٣٥٠-٣٥١ وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ١/٤ وص ١٥، ١٨، ١٩.

<<  <   >  >>