للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا نرى أن القرآن قد ركز تركيزًا شديدًا على توحيد الألوهية وإخلاص العبادة لله بجيمع أنواعها، وهذا التركيز يتمثل من جانبين:

إما بالدعوة لعبادة الله وحده, وإما بنفي استحقاق غير الله للعبادة؛ لأنه لا يتم توحيد الألوهية إلا بهذين الجانبين المتلازمين, وهذا كما سبق أن بينا أن كل رسول دعا قومه إليه، وتمثل ذلك بدعوة نوح عليه السلام لقومه فقال تعالى عنه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ١، وقال عنه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ, أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} ٢، فهو عليه السلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما دونه وهذا هو المقصود بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} ٣، وبقوله تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون} ٤ أي تخصيص الله بالعبادة دون غيره؛ لأن تقديم إياك على العبادة لا يفيد إلا هذا، حيث إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر٥، وهذا هو مدلول كلمة الشهادة لا إله إلا الله، ففيها نفي وإثبات، أي نفي استحقاق ما سوى الله للعبادة وحصر استحقاق الله -وحده لا شريك له- للعبادة؛ولذلك كانت هذه الكلمة أعظم واجب وأول واجب على الإنسان على الإطلاق؛ لأن إلهية ما سواه من أبطل الباطل وأظلم الظلم فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، فكما نفت الإلهية عما سواه وإثباتها له وحده، كذلك نفت استحقاق ما سواه للعبادة, وإثباتها له وحده, وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات٦.


١ سورة الأعراف آية ٥٩.
٢ سورة هود آية ٢٥-٢٦.
٣ سورة الفاتحة آية ٤.
٤ سورة العنكبوت آية ٥٦.
٥ انظر تطهير الاعتقاد ص١٣.
٦ انظر تيسير العزيز الحميد ص٥٤.

<<  <   >  >>