للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا نظير له وأنه على ما يشاء قدير: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه وهما متعاقبان لا يفتران، والشمس ونورها وإشراقها, والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه واختلاف سيره في سمائه؛ ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار والجمع والشهور والأعوام, ويتبين بذلك حلول الحقوق وأوقات العبادات والمعاملات، ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده تحت قهره وتسخيره فقال: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي لا تشركوا به, فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره, فإنه لا يغفر أن يشرك به"١.

إذا نظرنا إلى العلم وجدناه يقول بأن مجموعتنا الشمسية ليست إلا جزءًا من أجزاء المجموعة المجرية, ومجرتنا هذه واحدة من مجرات عديدة، ويقول العلم بأن هناك نجومًا كثيرة أكبر من الشمس وأشد حرارة منها، وأن الشمس التي يستفيد من حرارتها كل نبت وحيوان درجة حرارة سطحها ١٢٠٠٠ درجة فهرنهايت، وأن الأرض موضوعة بالمكان المناسب لاستمرار الحياة عليها, ولو زادت درجة الحرارة أو نقصت عن حد معين قدره الله تعالى لمات كل الأحياء على سطح الأرض حرقًا أو تجمدًا، وأن مسار القمر له علاقة بالمد والجزر الذي يحصل في البحار مرتين في العام, ولو كان القمر في غير هذا المسار الذي رسمه له خالقه لعم الماء جميع اليابسة وفاض عليها بحيث تصبح الحياة مستحيلة على ظهرها٢.

إن هذا الخلق العظيم والتنظيم الدقيق يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله، وأنه المستحق أن يفرد بالعبادة دون كل شيء سواه.


١ تفسير ابن كثير ٤/١٠٢ وانظر تفسير الطبري ٧/٢٨٦ والتبيان لابن القيم ص٢٠٨ ومفتاح دار السعادة ١/١٩٨-٢١٢.
٢ انظر كتاب العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون ص٥٠-٥٩.

<<  <   >  >>