للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه سبحانه وتعالى كلمة التوحيد -لا إله إلا الله- بالشجرة الطيبة وهي النخلة الضاربة جذورها في أعماق التربة وفروعها مرتفعة في السماوات, والكلمة الخبيثة وهي الشرك كالشجرة الخبيثة وهي الحنظلة إذا استؤصلت، فلم يبقَ لها أثر ولا أصل في الأرض، وقد ورد عن ابن عباس وبه قال جمهور المفسرين أن الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله في قلب المؤمن, وأن الكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر١.

وفي هذا التشبيه حِكَم بليغة وأسرار كثيرة؛ لأن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والتوحيد, ليطابق المشبه المشبه به, فشجرة التوحيد عروقها الثابتة: العلم والمعرفة واليقين, وساقها: الإخلاص لله, وفروعها: الأعمال الصالحة, وثمرها: الأخلاق الحميدة الزكية، فإذا كانت هذه الأمور مطابقة لأمر الله بأن يكون العلم موافقًا لمعلومه الذي أنزل الله به كتابه، وكان الاعتقاد مطابقًا لما أخبر الله به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله، وكان الإخلاص قائمًا في القلب، والأعمال موافقة للشرع، علم أن شجرة التوحيد في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإن كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فكما أن هذه الشجرة الخبيثة ليس لها أصل ثابت ولا فرع ثابت ولا فائدة فيها، فكذلك الشرك ليس له أصل يأخذ به المشرك ولا برهان ولا يقبل الله مع الشرك عملًا ولا يصعد إلى الله فليس له أصل في الأرض ولا فرع في السماء٢.


١انظر تفسير الطبري ١٣/٢٠٢ والبحر المحيط ٥/٤٢١ والكشاف ٢/٣٧٩ وتفسير ابن كثير ٢/٥٣٠.
٢ انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله حول هذا المثل بتوسع في الفتاوى ١٦/٥٧٧ وفي إعلام الموقعين ١/١٧١- ١٧٦.

<<  <   >  >>