للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه سبحانه وتعالى ما ينفق الكافر ويتصدق به على وجه القربة إلى الله وهو لوحدانيته جاحد ولرسوله مكذب, وأن ذلك غير نافعه, وأنه مضمحل عند حاجته إليه, ذاهب بعدما كان يرجو نفعه، كشبه ريح فيها برد شديد وتحمل النار فأصابت زرع قوم أمَّلُوا إدراكه ورجَوْا ريعه لكنهم كفرة، فأهلكت الريح التي فيها الصر الزرع ولم ينتفع بشيء منه، وكذلك يفعل الله بنفقة الكافر وصدقته ويبطل ثوابها، والمراد بالمثل صنيع الله بالنفقة.

قال الطبري: "فتأويل الكلام مثل إبطال أجر ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر، وإنما جاز ترك ذكر إبطال الله أجر ذلك لدلالة آخر الكلام عليه وهو قوله تعالى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} ولمعرفة السامع ذلك معناه"١.

وقد اعتبر الراغب أن هذا المثل مضروب لأعمال الكفار كلها ليس للنفقة فحسب، وإنما خص النفقة بالذكر لكونها أظهر وأكثر٢.

قال ابن القيم رحمه الله: "هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أنفق في غير طاعته ومرضاته، فشبه سبحانه ما ينفقه هؤلاء من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر ولا يبتغون به وجه الله، وما ينفقونه ليصدوا به عن سبيل الله واتباع رسله بالزرع الذي زرعه صاحبه يرجو نفعه وخيره فأصابته ريح شديدة البرد جدًّا يحرق بردها ما يمر عليه من الزرع والثمار فأهلكت ذلك الزرع وأيبسته"٣ أ. هـ.


١ تفسير الطبري ٤/٥٨ وانظر تفسير القرطبي ٤/١٧٨ وتفسير ابن كثير ١/٣٩٧.
٢ انظر البحر المحيط ٣/٣٧.
٣ أعلام الموقعين ١/١٨٦.

<<  <   >  >>