للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الطعن قد يكون منشؤه قياسهم قصص القرآن بالقصص الأدبية التي يؤلفها البشر، ولكنهم لو نظروا إلى العظات والعبر التي في القصة الواحدة والتي تختلف من موضع لآخر، وأنه قد يذكر في موضع غير ما ذكر في المواضع الأخرى من نفس القصة، لعرفوا السر في هذا التكرار وأن فيه فوائد ولما كان مطعنًا في رأيهم.

وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا المطعن بما فيه الكفاية والإقناع لمن أراد الحق وتجرد عن الهوى؛ حيث يقول في كلامه عن قصة موسى: "وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعًا غير النوع الآخر كما يسمي الله رسوله وكتابه بأسماء متعددة كل اسم منها يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار بل فيه تنويع الآيات ... وليس في القرآن تكرار أصلًا، وأما ما ذكره بعض الناس من أنه كرر القصص مع إمكان الاكتفاء بالواحدة, وكان الحكمة فيه أن وفود العرب كانت ترد على رسول صلى الله عليه وسلم فيقرؤهم المسلمون شيئًا من القرآن فيكون ذلك كافيًا، وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة, فلو لم تكن الآيات والقصص متناثرة متكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم وقصة نوح إلى قوم، فأراد الله أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض، وأن يلقيها إلى كل سمع، فهذا كلام من لم يقدر القرآن قدره"١ انتهى باختصار.

وإنني في هذا الفصل لن أتكلم عن قصص القرآن من جهة السرد التاريخي لما جرى لكل رسول مع قومه، كما أنني لن أتكلم عن كل أهداف القصص القرآني، لأن ذلك يطول بي البحث حيث أن قصة واحدة من قصص الرسل، وهدفًا واحدًا من أهداف القصص القرآني كفيل بأن يستغرق مئات الصفحات وليس


١ الفتاوى ١٩/١٦٦ - ١٦٧.

<<  <   >  >>