للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كرر نوح عليه السلام دعوته لقومه إلى التوحيد ونبذ الشرك في أحوال مختلفة، فدعاهم بالليل والنهار، ودعاهم بالسر والعلن، ودعاهم أفرادًا وجماعات ولم يزدهم كل ذلك إلا عنادًا لدعوى التوحيد وثباتًا على الشرك وتواصيا به: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ١.

ثم يتحداهم نوح هم وأصنامهم لأنه يعلم عجزها وأنها لا تملك أن تدفع عن نفسها شيئًا، بينهما هو متوكل على الله القوي العزيز فيقول لهم بثبات الموحد لله: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} ٢.

ويبقى نوح عليه السلام ثابتًا على دعوة التوحيد صابرًا على أذى قومه له إلى أن أمره الله تعالى بصنع السفينة، ويمر عليه قومه المشركون وهو يصنعها فيسخرون منه فيها، غير القلة المؤمنة الموحدين لله، ولم يدخل معه في السفينة ابنه وزوجته لأنهما بقيا على شركهما، وفي هذا بيان واضح أن صلات القرابة من بنوة وأبوة وزوجية وغيرها لا تنفع المشرك عند الله إن لم ينقذ نفسه بكلمة التوحيد.

ويأمر الله نوحًا عليه السلام أن يعلن التوحيد داخل السفينة لأنها سفينة الموحدين الناجين بتوحيدهم لله وهم يومئذ قليل، والمشركون وهم كثير لم تنفعهم كثرتهم عند حلول الغرق والعذاب: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} ٣.


١ سورة نوح آية ٢٣.
٢ سورة يونس آية ٧١.
٣ سورة المؤمنون آية ٢٨- ٣٠.

<<  <   >  >>