للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع كل هذا لما ذهب موسى للميعاد غدروا به وبعقيدة التوحيد, فعبدوا العجل, قال تعالى عنهم: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ, فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} ١.

ولكن يا لها من غفلة وضلالة، وهل يكون إلهًا من لا يضر ولا ينفع؟ هل يكون إلهًا من لا يتكلم ولا يملك الهداية لأحد، قال تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً, وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي, قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ٢، وقال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا} ٣.

ولما رجع موسى غضب لدين الله وعقيدة التوحيد، فأخذ العجل وحرقه, ثم رماه في البحر, وعرفهم بالله الواحد الذي يستحق العبادة والشكر على ما أنعم به عليهم من نعمة الهداية ونعمة النجاة من فرعون، قال تعالى عن قول موسى للسامري: {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً, إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} ٤.

وهكذا فلتعلموا أيها المشركون أن هؤلاء اليهود الذين يزينون لكم الكفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة التوحيد الخالص -هذا هو موقفهم من عقيدة التوحيد وكان أنبياؤهم على قيد الحياة، فكيف وقد انقطع مجيء الرسل من بينهم وغيروا كتاب ربهم، فليس كثيرًا عليهم أن يقولوا لكم ما قاله تعالى عنهم: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} ٥، وليس صعبًا عليهم كذلك أن يطعنوا


١ سورة طه آية ٨٧-٨٨.
٢ سورة طه آية ٨٩ - ٩١.
٣ سورة الأعراف آية ١٤٨.
٤ سورة طه آية ٩٧ - ٩٨.
٥ سورة النساء آية ٥١.

<<  <   >  >>