للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والباطنة التي تقع خفية عن القانون، ولهذا فهي تملك أن تورث الأخلاق والفضائل، وتملك أن تقول للإنسان: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه, وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} ١، ولا يملك ذلك القانون إن لم يكن مستندًا إلى العقيدة والإيمان بالجزاء الآخروي؛ لأن سلطانه وجزاءه دنيوي جسدي، وسلطان العقيدة روحي وأخروي: روحي؛ لأنه ينفذ إلى روح الإنسان ويحكمه داخليًّا، وأخروي؛ لأنه يدفع صاحب العقيدة عند الزلل للتوبة والاستغفار وإن وجب عليه حد يدفعه ليكشف نفسه للحاكم ليقيم عليه الحد ولو كان حد الرجم حتى الموت، وهو مطمئن لهذا الحكم خوفًا من سخط الله وعقوبته في الآخرة، كما فعل ذلك ماعز الأسلمي والغامدية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم٢.

ومن هنا تبرز قيمة العقيدة كدافع وباعث نفسي داخلي للفرد لسلوك المسلك العملي والخلقي الصحيح؛ لأن صاحب العقيدة الصحيحة لا يخالف بعمله عقيدته، وإذا انفلت المرء من هذه العقيدة يكون قد ارتكس في حمأة الشهوات البهيمية التي لا يضبطها ضابط، ويضعف عقله وقوته باستمرار أمام نزواته وأهوائه؛ لأنه ليس له ركن شديد يأوى إليه.

وإذا استقرت العقيدة في النفوس أصبحت مستعدة للتلقى للتنفيذ في الشرائع والأعمال، ولذلك نجد القرآن دائمًا يربط بين العقيدة والتشريع في كل آياته، وعلى سبيل المثال لا الحصر: يقول تعالى في مسائل التحريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٣، فربط تحريم الربا بالإيمان، ويقول تعالى في


١ سورة الزلزلة آية ٧-٨.
٢ روي قصتهما مسلم في صحيحه في كتاب الحدود، عن جابر بن سمرة وابن عباس وأبي سعيد, مجلد٣ حديث رقم ١٦٩٢، وانظر كتاب الإيمان وآثاره والشرك ومظاهره. لزكريا يوسف ص١١.
٣ سورة البقرة آية ٢٧٨.

<<  <   >  >>