للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن الله وحده خالق الحب والنوى الذي يخرج منه الزروع والثمار على اختلاف أصنافها، وهو وحده كذلك يخرج الحب المتراكب والقنوان الدانية وجنات الأعناب والزيتون والرمان، وليس ذلك من فعل أحد غير الله، فالعبد يشق الأرض ويضع فيها الحب، والزارع المنبت هو الله دون الأنداد والأوثان، ولو شاء الله أن يجعل هذا الزرع حطامًا يابسًا قبل موعد حصاده ما استطاع أحد إنباته، وأقصى ما يعمله الإنسان هو التعجب والتفجع والحزن على ما فاته من الزرع والثمر.

هذه النعم السابقة كلها تدل على وحدانية الله واستحقاقه لأن يشكر ويفرد بالعبادة، لأنه هو وحده المنعم المستحق علينا الطاعة والعبادة لا من لا يقدر على الإنعام ولا يضر ولا ينفع، فهذه النعم كلها تنبيه منه تعالى لخلقه على حججه عليهم في توحيده وأنه لا ينبغي الألوهية إلا له, ولا تصلح العبادة لشيء سواه. ولذلك نعى الله على المشركين الذين أشركوا به ونسبوا له البنات مع تعريفهم نعمه عليهم، فبعد أن ذكر جملة من النعم في سورة الأنعام قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ١. فبدل أن يشكروا الله على نعمه ويوحدوه أشركوا به.

وكذلك في سورة النمل يقول تعالى في نهاية تعداده نعمه على عباده: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي هل فعل هذا إله آخر غير الله فتعبدوه؟ وهو استفهام إنكار على المشركين الذين يعبدون غيره مع وضوح الأدلة، قال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى بعد ذكره نعمة النبات: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} ٢، قال: "أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله"٣.


١ سورة الأنعام آية ١٠٠- ١٠٢.
٢ سورة النحل آية ١١.
٣ تفسير ابن كثير ٢/٥٦٤ وص ٢٢٢ وص ٥٣٩ وص ٥٧٤ و٣/٢٤٢ وص ٣٢١ وص٣٦٩ وص ٤٣٦ وانظر تفسير الطبري ٣/٢٥٥ و٨/٢١٠ و١٤/١٣٠ و١٨/١٢ و١٩/٢٢ و٢٠/٣ و٢١/٥٢ وانظر هذه النعم بتوسع في مفتاح الدار السعادة ١٥/٢٠١-٢٢٤.

<<  <   >  >>