للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، ومع هذا عدل به الكفار غيره من الأصنام والأنداد التي لم تخلق شيئًا وعبدوها، والله وحده المستحق للعبادة لأنه الخالق، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى في الآية التي بعدها: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} ١، يقول الطبري: "أيها الجاهلون، إنه لا شيء له الألوهية والعبادة إلا الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم, فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادة جميع من في السموات والأرض إلا له خالصة بغير شريك تشركونه فيها فإنه خالق كل شيء وبارئه وصانعه, وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة فاعبدوه"٢.

وفي آية سورة الرعد جاءت الهمزة للإنكار, والمعنى: أنهم لم يتخذوا الشركاء لكونهم خالقين فتشابه خلقهم وخلق الله، فاستحق هؤلاء الشركاء العبادة لذلك، ولكنهم اتخذوا لله شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلًا عن أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق، والله خالق كل شيء بلا شريك، فلا يستقيم أن يكون له شريك في العبادة والألوهية كما لا شريك له في الخلق والربوبية، وفي قوله تعالى: {خَلَقُوا كَخَلْقِه} في سياق الإنكار تهكم بهم؛ لأن غير الله تعالى لا يخلق خلقًا البتة لا بطريق المشابهة والمساواة لله -تقدس الله عن ذلك- ولا بطريق الانحطاط والقصور، ويكفي للإنكار عليهم أن آلهتهم لا تخلق مطلقًا ولكن جاء في قوله تعالى: {كَخَلْقِهِ} تهكم يزيد الإنكار تأكيدًا٣.

وفي آية سورة الحج بين تعالى أن آلهتهم لو اجتمعت ما خلقت ذبابًا صغيرًا، وفي هذا تجهيل عظيم لهم بعبادتهم من هذه صفته وتركهم عبادة خالقهم٤.


١ سورة الأنعام آية ١٠٢.
٢ تفسير الطبري ٧/٢٩٩.
٣ انظر حاشية الكشاف ٢/٣٥٥.
٤ انظر تفسير الطبري ١٧/٢٠٢ والكشاف ٣/٢٢ والبحر المحيط ٦/٣٩٠.

<<  <   >  >>