للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استعمل إبراهيم عليه السلام هذا الدليل -دليل الخلق- في مناظرته لقومه لما يعلم من تأثير هذا الدليل في تنبيه الغافلين عن الحق المعطلين للفطرة، قال تعالى عنه: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ١.

مما تقدم من الآيات يتبين لنا استعمال القرآن لدليل الخلق والملك بشكل واضح في مواضع شتى من سوره، وقد كثر ورود هذا الدليل لارتباطه بحقيقة لا ينكرها المشركون, وهي حقيقة اعترافهم بتوحيد الربوبية وانفراد الله بالخلق والملك والتصرف كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ٢.

وقوله: {قُلْ لِمَنَ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ, سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ٣، وآيات غيرهما كثيرة تبين اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية، وهذا يستلزم توحيد الألوهية لأن المتفرد بالخلق والملك والتصرف هو المستحق لأن يفرد بالعبادة بلا شريك، لكنهم لما أنكروا توحيد الألوهية، كان إقرارهم بتوحيد الربوبية باطلًا، وكان من سلك منهم هذا المسلك موصوفًا بأنه لا يعقل وإقراره حجة عليه.

هذا من جهة إقرارهم لله بخلق السماوات والأرض وملكهما وما فيهما.

وأما من جهة آلهتهم فهم لم يزعموا قط أن لهما خلقًا وملكًا لأدنى شيء فكان مقتضى ذلك أن لا يصفوها بالألوهية واستحقاق العبادة, لكن الذي حصل منهم العكس, مع اعترافهم بعجزها عن الخلق والملك، لذلك وصفوا في القرآن بأنهم لا يعقلون؛ لأن العقل السليم لا يقر شركهم بالله وعبادتهم ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون٤.


١ سورة الأنبياء آية ٥٦.
٢ سورة الزخرف آية ٩.
٣ سورة المؤمنون آية ٨٤-٨٥.
٤ انظر تفسير الكشاف ٣/٢١١.

<<  <   >  >>