للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اثنين لا تنفك إرادة أحدهما عن إرادة الآخر ويكونان متكافئين في العلم والقدوة والإرادة والحكمة والتدبير على وجه لا تتقدم صفة أحدهما عن صفة الآخر.

ونجيب عن الشبهة الثانية: بأن صدور الشيء وضده أدل على وحدانية الله وقدرته، بل قد نبه تعالى على ذلك في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} ١ ٢.

وقد اعتبر المتكلمون أن الآيتين السابقتين من سورة الأنبياء والمؤمنون تدلان على وحدانية الرب، وقد خالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وكثير من المفسرين فاعتبروهما تدلان على وحدانية الإله؛ لأن دليل التمانع الذي يذكره المتكلمون للدلالة على وحدانية الرب يمنع وجود المفعول ولا يمنع فساده، والآيتان تدلان على امتناع الفساد لا على التمانع في الإيجاد، والسبب الذي جعل المتكلمين لا يفرقون بين التمانعين هو عدم تفريقهم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية٣.

يقول الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَد} : "ما لله من ولد ولا كان معه في القديم ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته من إله إذًا لذهب ... إذًا لاعتزل كل إله منهم بما خلق من شيء فانفرد به ولتغالبوا فلعلا بعضهم وغلب القوي منهم الضعيف لأن القوي لا يرضى أن يعلوه ضعيف والضعيف لا يصلح أن يكون إلهًا فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لمن عقل وتدبر.. {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} يقول تعالى ذكره: تنزيها لله عما يصفه هؤلاء المشركون من أن له ولدًا وعما قالوه من أن له شريكًا أو أن معه في القدم إلهًا يعبد تبارك وتعالى"٤.


١ سورة الرعد آية ٤.
٢ انظر مجموعة الرسائل المنيرية الرسالة الثالثة ص٥٠.
٣ انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص٤٦١.
٤ تفسير الطبري ١٨/٤٩ وانظر تفسير ابن كثير ٣/٢٥٤.

<<  <   >  >>