للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أي استقاموا ورجعوا إلى أنفسهم وجاؤا بالفكرة الصالحة ثم انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة وأن هؤلاء مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق آلهة معبودة مضادة منهم، أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه السلام مجادلين عنه حين نفوا عنه القدرة على النطق وقلبوا على رءوسهم حقيقة لفرط إطراقهم خجلًا وانكسارًا وانخذالًا مما بهتهم به إبراهيم عليه السلام, فما أحاروا جوابًا إلا ما هو حجة عليهم"١.

وقد ضرب الله تعالى مثلًا لنفسه وللأصنام التي تعبد من دونه فقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٢، ومعنى المثل أن الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا يقدر على شيء من المقال أو الفعال ويتعب عابده بحمله وخدمته، فهو كالرجل الأبكم الذي هو كلٌّ على أقاربه وحيثما وجهوه لا يأت بخير لأنه لا يفهم ما يقال له ولا يعبر عما في نفسه، فهو لا يفهم ولا يفهم عنه، فكما لا يستوي الرجلان: الأبكم والناطق، فكذلك لا يستوي الصنم الذي لا يعقل ولا يتكلم فيأمر وينهى مع الله تعالى ذكره: المتكلم الآمر بالعدل والحق والتوحيد والعبادة، وقد قال قتادة ومجاهد بأن هذا المثل ضربه الله لنفسه وللوثن فهذا مثل إله الحق وما يدعى من دونه من الباطل، فكيف يليق بالعاقل إذن عبادة من هذا شأنه وعابده أكمل منه وأقدر على التعبير عما في نفسه"٣.


١ تفسير الكشاف ٢/٥٧٧ وانظر تفسير الطبري ١٧/٤١ وتفسير ابن كثير ٢٣/٧٢.
٢ سورة النحل آية ٧٦.
٣ انظر تفسير الطبري ١٤/١٥٠ وتفسير القرطبي ١٤/٤٩ وتفسير ابن كثير ٢/٥٧٨ والكشاف ٢/٤٢١.

<<  <   >  >>