للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالأَرْضِ} , هو حكاية لاعتراف المشركين وتأكيد للحجة عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السماوات والأرض؟ لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، كقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإن أجاب بنعم، يحكي المناظر عندها قوله وإقراره تقريرًا للحجة عليه قائلًا له: فعلى قولك يلزمك كذا وكذا، وقد يجوز أن يكون قوله: {قُلِ اللَّهُ} تلقينًا للجواب، والمعنى إذا سألتهم عن رب السماوات والأرض ولم يجيبوا فقل أنت: الله، فإنهم سيتلقون الجواب ولا يقدرون على إنكاره، وأما قوله تعالى: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فهو استفهام إنكاري، أي أبعد أن علمتم أن الله هو رب السموات الأرض اتخذتم من دونه أولياء لا يستطيعون ضر أحد أو نفعه بل ولا لأنفسهم, فجعلتم ما كان يجب أن يكون سببًا للتوحيد من علمكم وإقراركم جعلتموه سببًا للإشراك؟ كيف آثرتم الإشراك على التوحيد بإيثاركم الأصنام على الخالق الرازق المحيي المميت رب السماوات والأرض؟ فما أبين ضلالكم وبعدكم عن الحق١.

وقد استعمل إبراهيم عليه السلام هذا الدليل لإقامة الحجة على قومه عندما كسر الأصنام، ففي هذا أوضح دليل على عجزها عن نصرة أنفسها والإضرار بمن كسرها, فكيف تملك ذلك لعابديها؟ يقول تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ, وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} ٢، فقد بين إبراهيم لقومه أنه لا يخاف أصنامهم لأنها لو كان بها قدرة على النفع والضر لانتقمت منه عند تكسيرها، ولذلك قال لقومه {أَفَلا تَتَذَكَّرُون} أي أفلا تعتبرون بحالها وأنه ليس لكم في عبادتها حجة٣.


١ انظر تفسير الكشاف ٢/٣٥٥ وتفسير الطبري ١٧/٢٩ و٢٤/٧.
٢ سورة الأنعام ٨٠-٨١.
٣ انظر تفسير الطبري ٧/٢٥٣.

<<  <   >  >>