للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عينة حدثت, كما قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} ١، وقال تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} ٢، ليس هذا مما يستدل عليه, فإنه أبين وأوضح مما يستدل به عليه لو كان صحيحًا, فكيف إذا كان باطلًا"٣.

فهذه الطريقة التي سلكها المتكلمون كانت سببًا في ضلالهم وانحرافهم عن المنهج السوي، وقد زادوا في تعنتهم عندما قرروا أن سلوكهم هذا الطريق موافق لطريقة القرآن الكريم، وقد أخطئوا في تقريرهم هذا؛ لأن طريقة القرآن الاستدلال على الله تعالى ووحدانيته بنفس آياته التي يستلزم العلم بها العلم به تعالى كاستلزام العلم بالشعاع العلم بالشمس من غير احتجاج إلى قياس كلي يقال فيه: وكل محدَث فلا بد له من محدِث، أو كل ممكن فلا بد له من مرجح أو كل حركة فلا بد لها من علة غائية أو فاعلية، ومن غير احتياج إلى القول بأن سبب الافتقار إلى الصانع هل هو الحدوث أو الإمكان؟ فأخطئوا في ذلك؛ لأن افتقار المخلوق وصف ذاتي له ولا علة لذلك إلا كونه مخلوقًا، ولا يقال: علة هذا الافتقار هي الحدوث أو الإمكان، فكل إنسان يعلم فقر نفسه وحاجتها إلى خالقها من غير قول الحدوث أو الإمكان، وافتقار المخلوق للخالق ليس بحاجة أن يستدل عليه بقياس كلي كقولهم: كل ممكن لا بد له من موجب أو كل محدث لا بد له من محدث، فكأنهم ساقوا الأدلة وأتعبوا أنفسهم للاستدلال على أمر بدهي فطري لا يحتاج كل هذا العناء، فبالفطرة يعلم الإنسان فقره للخالق، وإن لم يخطر بباله وصف الإمكان أو الحدوث، وعلى هذا جاء قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ، فلما سمعها جبير بن مطعم٤ والنبي يقرأ بها في المغرب أحس


١ سورة مريم آية ٩.
٢ سورة مريم آية ٦٧.
٣ الفتاوى ١٦/٢٦٩ وانظر مجموعة تفسير شيخ الإسلام ص٢٠٨.
٤ قصة جبير وردت في الصحيحين عن الزهري انظر فتح الباري جـ٨ حديث رقم ٤٨٥٤.

<<  <   >  >>