أما من ناحية بناء الجملة فالاختلاف كبير بين اللغات السامية في عصورها القديمة واللغات السامية في العصور التالية، ويبدو أن اللغة السامية الأولى لم تكن ذات جمل طويلة، بل كانت تسودها ظاهرة التوازي Parataxe أي أن الجمل كانت قصيرة وترتبط الجملة بالأخرى عن طريق الواو، فهذه الجمل القصيرة تتوازى الواحدة بجانب الأخرى١. ونجد في اللغة العبرية القديمة ظاهرة التوازي ونجدها أيضا في اللغة العربية في نصوصها القديمة إلى حد كبير. فالجمل قصيرة، والواو تربط بين جملة قصيرة وأخرى، ولكننا نلاحظ بمضي الوقت أن اللغات السامية أخذت تكون شيئًا فشيئًا جملا طويلة معقدة، فالجملة العربية تعقدت مع تطور الفكر ورقيه تعقيدًا كبيرًا، حتى إننا نجد صيغ الاستثناء والقصر في العربية على نحو لا نجده في اللغات السامية التي دونت قبل العربية. فكلما تقدم الزمن تعقدت الجملة ولم تعد على بساطتها الأولى، ظهر نمط جديد يطلق عليه التركيب Hypotaxe. ومن الممكن أن تلاحظ إلى اليوم سيادة ظاهرة التوازي في اللهجات العربية ولا سيما عند المتحدثين الذين لم يتأثروا بالفصحى كثيرًا، ونلاحظ نفس الظاهرة في اللغة المهرية، فالجملة فيها قصيرة تتكون من بضع كلمات لا تزيد، وسرعان ما تنتهي الجملة وتبدأ أخرى، فالكلام العادي يتكون من وحدات صغيرة متراصة الواحدة بجانب الأخرى. وهذا شأن اللغات التي لم تدخل بعد إلى مرحلة التعبير عن الفكر المعقد المتنوع، فما أشبه بساطة الجملة المهرية بالجملة التي كتبت في النقوش العربية القديمة، وما أبعد هذه الجمل البسيطة عما نقرأه في النثر العربي الحديث. فالجملة تتعقد كلما دخلت إلى مجال التعبير عن الأفكار الكثيرة المتميزة والمتنوعة. وتعقد أنماط الجملة وتنوعها على مستوى التأليف يعد سمة عامة، تقابلها سمة التوازي على مستوى اللغة المنطوقة، فعندما يكون الحديث باللغة الفصحى في أحد المواقف الكلامية التي يحدث فيها ذلك نلاحظ رغم هذا أن الجمل المنطوقة أقل تركيبًا من الجمل المكتوبة، ففي اللغة الألمانية يمكن أن تكون الجملة
١ انظر ماير: R. Meyer, Hebtaische Grammatik ١.s.٢٢.