يتأثر انتشار الصيغ اللغوية والتراكيب بعوامل كثيرة، أهمها في العالم المعاصر العامل الحضاري. فإذا كانت مكانة أية لغة من اللغات الكبرى المعاصرة تتحدد في المقام الأول بما تحمله من تراث حضاري وما تقدمه من نتاج حضاري حديث فإن للعلماء والمثقفين ووسائل الإعلام أثرًا كبيرًا في البيئة اللغوية. وفي المجال الصوتي تعد الإذاعة من العوامل الحاسمة، فالنطق الذي يرتضيه مذيعو الإذاعة يؤثر في آلاف المستمعين، ولذا تهتم دول كثيرة في العالم المعاصر بكيفية نطق المذيعين وتدربهم تدريبًا صوتيًّا دقيقًا. ويؤثر المحاضرون في الجامعات في الحياة اللغوية من ناحية المصطلحات، فهم يدخلون بصفة مطردة مصطلحات علمية جديدة للتعبير عن المعاني الجديدة أو العلوم الحديثة. فتستخدم هذه المصطلحات عند طلابهم وقرائهم ثم في دوائر أوسع إلى أن تستقر في العرف اللغوي. وبذلك تصبح من المشاع اللغوي العام. فإن اختلف واضعو الاصطلاحات وتعددت معهم اصطلاحاتهم للشيء الواحد حدث ارتباك في استخدام المصطلحات وربما تعذر التفاهم. ويؤثر كبار الكتاب والأدباء في الحياة اللغوية من ناحية التراكيب بصفة خاصة، ولكن أي نطق جديد أو اصطلاح جديد أو تركيب أسلوبي جديد- يظل ظاهرة فردية إلى أن يقبل اجتماعيًّا ويصبح من العرف اللغوي. وكثير مما يستحدث في الإذاعة ووسائل الإعلام وفي الجامعات وعند كبار الأدباء يقبل اجتماعيًّا، ولذا تعد هذه الدوائر الحاكمة لغويًّا أهم ما يؤثر في الحياة اللغوية المعاصرة.