وقد تأثرت اللغات على مدى التاريخ وما زالت تتأثر بعوامل أخرى غير العامل الحضاري المذكور. فالعامل الديني أبقى اللغة العربية مقروءة أكثر من عشرين قرنًا، فكان اليهود يتعلمون قدرًا من العبرية لأنها لغة العهد القديم، وهو كتاب اليهود المقدس. والتقاء العرب حول الفصحى وعدم نجاح الدعوى إلى الكتابة بالعامية يرجع إلى عوامل منها الالتقاء حول لغة القرآن الكريم، وقد مهد العامل الديني لدخول عدد كبير من الألفاظ العربية المتعلقة بالدين والحضارة إلى لغات العالم الإسلامي في إفريقيا وآسيا وجنوب أوربا، ففي اللغات السواحلية والتركية والفلبينية وأيضا في اللغة الصربوكرواسية نجد المسلمين يستخدمون الألفاظ الخاصة بالعبادات وبالسلوك اليومي مستعارة من اللغة العربية. وارتباط الخط العربي بالدين الإسلامي جعل المتحدثين بالحبشية في هرر، وكلهم من المسلمين يكتبون الحبشية بالخط العربي، وقد دخلت في الهررية ألفاظ عربية كثيرة وكأنهم أرادوا بذلك أن يثبتوا ارتباطهم بالعالم الإسلامي وتميزهم عن الأحباش المسيحيين حولهم.
والعامل السياسي ذو أثر كبير في حياة اللغات، وقد ظهرت اللغات الرومانية المختلفة من فرنسية وإسبانية وإيطالية ورومانية في فترة واحدة كانت الوحدة السياسية لهذه المناطق قد تمزقت نهائيًّا، وكان الوعي القومي آخذًا في الظهور. وقد أدى النفوذ الاستعماري في الهند إلى انتشار اللغة الإنجليزية حتى أصبحت أكثر اللغات استخدامًا في الهند، وقد حدد تقسيم القارة الإفريقية إلى مناطق للنفوذ الاستعماري مسار انتشار لغات المستعمرين فيها، فالدول التي أعلنت الفرنسية لغة رسمية فيها أو التي تتعامل في المجالات الثفافية والسياسية والتجارية بالفرنسية قد احتفظت بذلك باللغة التي دخلت هذه المناطق مع الاستعمار، وهناك دول إفريقية كثيرة تتعامل في هذه المجالات بالفرنسية وأخرى تتعامل بالإنجليزية. وعندما تقسم الدول الإفريقية إلى الدول الناطقة بالفرنسية والدول الناطقة بالإنجليزية، ففي هذا -رغم الاستقلال- أثر للسيطرة الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية واليوم يتعلم التلاميذ في أوزبكستان "التركستان سابقًا" اللغة الروسية لأن أوزبكستان تابعة للاتحاد السوفيتي وهكذا يؤثر العامل