كانت لغة البدو لا تزال حتى القرن الثاني من الهجرة موضع إعجاب، وكان البدو حجة في أمور اللغة، وكان إليهم المرجع إذا اختلفت النحاة، وكثيرًا ما اختلفوا، فعرفت مجتمعات العراق عددًا من البدو الوافدين المعتمدين على ثقة المجتمع في صحة لغتهم، جاء هؤلاء واستقروا على مقربة من المدن يبيعون الغريب لكل نحوي يلجأ إليهم وكل لغوي ينشدهم مادة لكتاب أو لرسالة. وعندما اختلف سيبويه مع الكسائي في مدى صحة التعبيرين:"فإذا هو إياها" أو "فإذا هو هي" احتكما إلى البدو ليجدا عندهم الخبر اليقين١. ويفسر البعض اختلاف الضوابط البصرية في النحو عما قال به الكوفيون بأن هذا يرجع لاختلاف لهجات البدو الذين أخذ عنهم كل فريق. ومن المعروف أن النحاة العرب لم يحاولوا توزيع الظواهر اللغوية واقعيًّا بأن يقرروا لكل قبيلة ما عندها من أصوات وأبنية، بل نظروا إلى كل هذا بمعيار الصحة والخطأ، واعتبروا البدو حجة لا يرقى إليها الشك. وكان ينظر إليه كل اختلاف بين اللهجات بمقياس الصحة والخطأ وبهدف المفاضلة بين الصور اللغوية إن كانت كلها بدوية، بأن يقال هذا فصيح وهذا أفصح.
كان الأمويون مرتبطين بالبادية مؤمنين بتنشئة الأبناء في بيئة لغوية بدوية، ولكن العباسيين آمنوا بضرورة إجادة الأبناء للعربية، غير أنهم لم يكونوا
١ ياقوت الحموي: إرشاد الأريب ١٣/ ١٨٧، وعبارة الكسائي: "هذه العرب في بابك قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم فيحضرون ويسألون".