للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرتبطين فكريًّا أو عاطفيًّا بالمجتمع البدوي، وأرادوا لأبنائهم حياة رغدة في قصور بغداد ومعرفة جيدة بالعربية، ولهذا ظهر الأعراب في قصور السادة الجدد يعلمون اللغة، وهكذا اختلفت الصورة، قديمًا كان الأبناء يرسلون إلى البادية، وفي القرن الثاني كان الأعراب يفدون إلى القصور يعلمون اللغة.

ويبدو أن المثقفين في القرن الثاني من الهجرة كانوا يحاولون استخدام العربية الفصحى في حديثهم ولم يقصروها على الكتابة، وهناك مجموعة من الأخبار تروي أن حمادًا الراوية "كان يكذب ويلحن ويكسر" أو أنه "لحنه لحانة". ويروى عن حماد أنه قال عن نفسه: "إني رجل أكلم العامة فأتكلم بكلامها". ويرى البعض أن هذه الاتهام إنما نشأ من التأثر بالخصومة التي كانت بين حماد وبين غيره من الرواة١. كما يروى أن الفراء، وهو نحوي كوفي، لحن مرة بمحضر هارون واعتذر قائلا بأن اللحن عند سكان المدن كالأعراب عند أهل البادية.

وإذا نظرنا إلى طبيعة الأخطاء التي تنسب إلى المثقفين في القرن الثاني لاحظنا أنها تتناول الخلط بين الحالات الإعرابية، كأن يقول أحدهم: "أن نقم" بالجزم بدلا من "أن نقوم" بالنصب، أو أن يستخدم متحدث حالة النصب بعد حرف جر كان يقول "بخيرا" وكأنه يقول "خيرا"، أو أن يخلط المتحدث بين صيغ الممدود وصيغ المقصور كأن يقول "قفاء" بدلا من "قفا"٢. وهذه الأمثلة نادرة ولكنها تعكس أمرًا مأخوذًا من لغة الحديث اليومي، لا لغة الكتابة. وندرة هذه الأمثلة دليل على أن لغة الحديث عند مثقفي القرن الثاني كانت هي الفصحى أو أنهم حاولوا استخدام الفصحى، ولو كان


١ انظر طبقات الشعراء لابن سلام ص١٥ "ط أوروبا" والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٣/ ١٤٥، والأغاني "دار الكتب ٦/ ٧١"، وقد جمع هذه المواضع يوهان فك في كتابه: العربية ٦٢–٦٣.
٢ انظر: فك العربية ٦٨- ٧، والمرجع المذكورة به.

<<  <   >  >>