للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديثهم باللهجات المحلية لما لوحظت هذه الأخطاء. كانت لغة المثقفين هي الفصحى، بينما كانت اللهجات المحلية المختلفة وسيلة التفاهم عند السواد الأعظم من سكان الدولة الإسلامية.

على أن محاولة الابتعاد عن اللهجات المحلية وتوهم الاختلاف الشاسع بين الفصحى واللهجات المحلية في غير أماكن هذا الاختلاف دفع إلى عدد من الأخطاء وإلى خروج على ضوابط البنية اللغوية الفصحى. فالقارئ نافع يجمع كلمة "معيشة" على معائش" بينما الصيغة القياسية "معايش"، لأن الأخيرة لا تعرف الهمز١. والهمز من الظواهر التي تميز العربية الفصحى عن بعض اللهجات القديمة، فأراد نافع أن يجعل الكلمة فصيحة فأضاف إليها الهمزة في غير موضع لها. فقد اعتقد أن المفرد "معيشة" على وزن "فعيلة" دون أن يعلم بأن الميم هنا ليست من أصل الكلمة، وجمع فعيلة فعائل، مثل: كريمة كرائم، ولكن معيشة هي في واقع اللغة بوزن مفعلة الذي يجمع على مفاعل، فتكون صيغة الجمع القياسية معايش بلا همزة، ولكن هذا لم يدر في ذهن من جمع معيشة على معائش لأنه يعتقد أن الهمزة تكسب الكلمة طابعا فصيحا، فأضافها في غير موضعها، ويطلق على هذه الظاهرة اسم Overcorrectness، أي المبالغة في تقليد الفصحاء أو التفاصح.

ودفع الإعجاب بلغة البدو إلى محاولتهم إظهار اختلافهم في النطق عن أهل الحضر، فكانوا يتشدقون أو يتشادقون وكانوا يحتفلون بالغريب ويهتمون به غاية الاهتمام، ولذا نجد في كتب اللغويين اهتمامًا بالغريب، أي بالألفاظ الغريبة النادرة، وحاول بعض البدو إرضاء رغبة اللغويين في استخدام الغريب وولعهم به. وفي هذا الإطار اخترعت بعض الشخصيات الأسطورية ونسبوا لها بعض الأقاصيص٢. يروى عن أبي علقمة أنه كان نحويًّا، ولا تذكر كتب


١ سورة الأعراف /١٠، شرح المفصل لابن يعيش ١٤٣٤.
٢ ياقوت الحموي: إرشاد الأريب ١٢/ ٢٠٥–٢١٥.

<<  <   >  >>