الطبقات أي شيء عنه، أو عن تلاميذه، أو عن مؤلفاته، أو عن آرائه. إنها لا تذكر أي شيء إلا أنه كان مريضًا، وذهب للطبيب فأخبره بعبارات غريبة لا تفهم، فرد عليه الطبيب بعبارات لا تقل غموضًا، وعندما رد أبو علقمة قائلا للطبيب: لم أفهم ما قلت، قال الطبيب: وهل فهمت أنا ما قلت!. وهناك رواية أخرى عن عبارات تنسب لأبي علقمة هي عبارات اخترعت اختراعًا، ولكنها تعبر عن روح العصر. كان هذا في إطار ولعهم بالغريب والألفاظ النادرة البدوية، وتعبيرًا عن روح العصر في تمجيده للحياة البدوية.
دخلت العربية في العصر الأموي مجالًا جديدًا هو مجال التأليف، فإذا نظرنا في التراث العربي قبل ذلك العصر لاحظنا أن يتركز في الشعر القديم والأمثال. يضاف إلى هذا أن القرآن الكريم بالعربية. لم يعرف المجتمع التأليف بالعربية واستخدامها كلغة كتابة إلا في العصر الأموي. وكان ابن المقفع المتوفى سنة ١٤٢هـ من أوائل من استخدم العربية لغة كتابة. وقد ترجم من البهلوية إلى العربية مجموعة من الكتب منها "خداي نامة" أي "أخبار الملوك"، كما ترجم أيضا كتاب:"كليلة ودمنة"١، وبذا دخلت العربية إلى مستوى جديد من مستويات الاستخدام اللغوي، فلم تعد العربية لغة الشعر فقط بل أصبحت أيضا لغة التأليف والثقافة. فكان على كل من يعيش في الدولة الإسلامية ويرغب في الإسهام بالتأليف أو بالترجمة أن يتعلم العربية ليترجم إليها أو يكتب بها أو يفهم المأثور الذي كتب بها. ولا شك أن استخدام العربية في مستويات جديدة دفع إلى تجديدات لغوية بعيدة المدى، فسيبويه يتحدث عن "الاسم" و"الفعل" و"الحرف" كاصطلاحات ذات معنى محدد، وشتان بين المعنى القديم لهذه المفردات في لغة البادية اليومية وبين المعنى الاصطلاحي المحدد، فسيبويه خلع على هذه الكلمات مدلولا علميًّا. وهو حين تحدث عن "الهمس" و"الجهر" و"المخارج" ابتكر اصطلاحات استقاها وانتقاها من لغة الحديث، واستخدمها كاصطلاحات.