كما تبدو هذه الحقيقة واضحة بمقارنة الاستخدام اللغوي بين المثقفين الأوربيين والمثقفين العرب.
ويلاحظ في بعض المجتمعات ارتباط لغة بعينها بجماعة بشرية محددة، ففي واحة سيوة الواقعة في صحراء مصر الغربية يتحدث الرجال اللغة العربية بجانب استخدام اللغة السيوية وهي لغة مستقلة تختلف عن العربية، وأما النساء فلا يتحدثن إلا باللغة السيوية ولا يستطعن التعامل بالعربية. وشبيه بهذا ما نجده في المناطق النوبية في مصر أو البربرية في المغرب العربي والمهرية في شرق اليمن الجنوبية. وارتباط لغة بعينها بالرجال دون النساء يرجع إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية. فمجتمع النساء في هذه البيئات منفصل تمامًا عن التعامل الخارجي ولذا لم تدخله العربية لغة التعامل الخارجي ولغة التعليم والثقافة. ففي هذه المجتمعات يسود ازدواج لغوي والمقصود بهذا استخدام لغتين في بيئة واحدة. ونجد الازدواج اللغوي في الجزر اللغوية غير العربية في شمال العراق مثلا، فهناك عدة جزر لغوية آرامية في عدد من القرى الجبلية، وتستخدم العربية في هذه الجزر اللغوية بدرجة اتصال أبناء هذه المناطق بالجماعة اللغوية العربية وبدرجة انتشار التعليم بينهم, وفي مثل هذه الحالات ينبغي على الباحث أن يحدد مجالات استخدام كلتا اللغتين فإحداهما تستخدم في الحياة المنزلية والأخرى وسيلة التعامل الثقافي، ومن النادر أن نجد اللغتين تستخدمان في البيئة اللغوية الواحدة في كل المجالات، بل هناك ضرب من تقسيم مجالات الاستخدام. وتصدق هذه الملاحظة على الجزر اللغوية في أوربا وعلى المناطق التي تتعامل بلغتين في نفس الوقت، ففي دولة لوكسمبورج يسود ازدواج لغوي، تستخدم اللوكسمبورجية وهي لهجة ألمانية في الحياة اليومية، أما الثفافة والتعليم والتعامل مع الدوائر الرسمية فيتم باللغة الفرنسية، فلكل لغة منهما وظيفة محددة.