أن الهاء هنا ليست أصلية، بل هي هاء وزن "هَفْعَلَ"، وهذا الوزن قياسي في العبرية والعربية الجنوبية في مقابل وزن "أَفْعَلَ" في العربية الشمالية، ولعل مقارنة كلمة أراق وكلمة هراق بنفس المعنى توضح لنا أن الأولى بوزن أَفْعَلَ وأن الثانية بوزن هَفْعَلَ، وكلا الوزنين للتعدية في اللغات السامية. وعلى ذلك فكلمة هراق بوزن هفعل، ومن الممكن أن تكون دخيلة من العربية الجنوبية، ومن الممكن أيضًا أن تكون راسبًا من اللغة السامية الأولى إذا افترضنا أنها عرفت أيضًا وزن هفعل للتعدية، ويصدق ما ذكرناه حول كلمة هراق على كلمات أخرى في العربية مثل: هجرع، هيلع ... إلخ. وقد يكشف بحث الكلمات المبدوءة بالهاء في العربية عن أمثلة كثيرة من هذا النوع الهاء فيها زائدة لا أصلية.
وإذا كان ثمة خلافا في تحديد الحروف الأصول في كلمة مدينة١ فإن بحثها في ضوء اللغات السامية يوضح أن الميم زائدة، ففي العربية والعبرية نجد كلمة "دين" بمعنى القانون وفي الآرامية "دينا". كما نجد في العبرية "بيت دين" بمعنى المحكمة، وفي العربية والعبرية ديان بمعنى القاضي، وقد ظهرت كلمة مدينة في الآرامية في منطقة الشام قبل الإسلام بمعنى المنطقة الإدارية أو الدائرة القضائية مرتبطة بهذا المعنى القضائي الذي ما زلنا نجده في كلمات عربية مثل دائن، مدين، أدان، إدانة.... إلخ.
وعندما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على يثرب اسم المدينة كان هذا الاستخدام مرتبطًا بظهور الدولة الإسلامية الصغيرة حول الرسول وهو يحكم في المدينة وهكذا توضح الدراسة المقارنة جوانب مختلفة في تحديد الجذور في كلمات عربية مختلفة.