أن صوتًا من الأصوات في كلمة أو ما يشبه الكلمة أثر في صوت آخر في نفس الكلمة فجعل نطقه قريبًا من نطقه، أي جعل نطقه مماثلا لنطقه. وفي شرح سيبويه لهذه الظاهرة تعليل بأن إمالة الفتحة الطويلة إنما حدث نتيجة لقربها من الكسرة، فيتحدث سيبويه عن الألف ونتحدث نحن عن الفتحة الطويلة، ويعتبر سيبويه الألف غير الممالة أصلا والممالة فرعًا، ونتحدث -نحن- عن نطق الألف الطويلة بصورة ما تجعلها قريبة -نطقًا- من الكسرة التي تلي اللام والباء. وهذا يعني أن الفتحة الطويلة الممالة إنما تأتي في محيط صوتي بعينه دون غيره، ومن هنا فنحن نتحدث عن صورة صوتية لا عن وحدة صوتية. فالفتحة الطويلة في تلك اللهجات لها صورتان: صورة بلا إمالة، وصورة بالإمالة، وكلتاهما وحدة صوتية واحدة، وكانت لهجة الحجاز القديمة لا تعرف الإمالة.
بقي أن نشير إلى المثال الأخير الذي ذكره سيبويه وهو "مفاتيح"، فالإمالة هنا في تفسير سيبويه أثر للكسرة، وكأنه تصور -في كلمة مفاتيح- الكسرة شيئًا والياء شيئًا آخر، فالواقع أن نظرة النحويين العرب للخط جعلتهم يتصورون أن ما نطلق عليه كسرة طويلة هو كسرة ثم ياء ساكنة، ولهذا لم يلاحظ سيبويه أن الإمالة حدثت كأثر لمد الياء "الكسرة الطويلة" وكفاه أن وجد الكسرة هنا وهناك، والصحيح أن الإمالة حدثت كأثر للكسرة الطويلة. هذا وقد علل سيبويه ظاهرة الإمالة بالتماس الخفة، وهذا الرأي هو التفسير السائد في علم اللغة إلى عهد قريب، فكان كل تطور يفسر بعامل السهولة في كثير من اللغات.
ولنحاول المضي قليلا مع سيبويه وهو يتحدث عن الإمالة. يقول سيبويه: "هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات ... فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء. إذا