والمقصود بهذا الاستخدام الفردي للغة، ولكن المعنى الاصطلاحي لكلمة لغة يجعلها عبارة عن مجموعة الإمكانات التعبيرية في البيئة اللغوية الواحدة، أما الكلام فهو كيفية اختيار الفرد لعناصر بعينها من هذه الإمكانات التعبيرية الكثيرة، وتتضح هذه القضية في التراكيب والمفردات بصفة خاصة، فلا يوجد فرد يستخدم كل التراكيب المتاحة في لغته. وليس هناك فرد يستخدم كل مفردات لغته مهما أوتي من الفصاحة واللسن والتمكن اللغوي، فكل فرد يستخدم جزءا من الإمكانات التعبيرية المتاحة في البيئة اللغوية، ويعبر بهذا الجزء عن حاجاته اليومية أولا ثم عن حرفته -وما أكثر الحرف- ومجالات اهتمامه وفكره وثقافته.
والتمييز بين اللغة والكلام ضروري في دراسة قضية التغير اللغوي، والتغير اللغوي شبيه بالتغير في العادات والتقاليد والأزياء. وهذا معناه أن التغير اللغوي يبدأ عند فرد ما، أي على مستوى الكلام، فإذا وجد هذا التجديد قبولا من المجتمع أصبح بمضي الوقت عرفًا لغويًّا سائدًا.
يهتم علم اللغة بالتغير اللغوي على المستوى الاجتماعي، ويرجع التغير اللغوي دائما إلى تجديد فردي يقبله المجتمع، أما التجديد الذي يرفضه المجتمع فيبقى خارج مجال علم اللغة؛ لأن علم اللغة يبحث اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية. وليس كل تغير لغوي عند فرد ما أو مجموعة أفراد يقبل اجتماعيًّا، فإلى جانب تغيرات بدأت على مستوى الفرد ثم أصبحت على مستوى البيئة اللغوية كلها، هناك تجديدات فردية ظلت مرتبطة بمجموعة أفراد ولم تقبل اجتماعيًّا. وقد لوحظ مثلا أن نطق الراء في الفرنسية الباريسية بدأ هكذا منذ قرن عند أحد المرموقين في الدولة، ثم قلده رجال البلاط وتلاهم عدد من أبناء الطبقات المترفة، وأصبح هذا النطق هو العرف اللغوي السائد. وعلى العكس من هذا نجد أن اتجاه نطق أصوات الإطباق العربية دون الإطباق لم ينجح. فمنذ سنوات أخذت بعض الطالبات في جامعات مصر في نطق الطاء والقاف والضاد والصاد