تاريخية، فالعربية لم تكن إلا لغة الدين عندما كان العالم العربي واقعًا تحت السيطرة الإسلامية غير العربية، فلم تكن العربية لغة الإدارة أو السياسة، كانت الإدارة فارسية في أقصى المشرق الإسلامي وتركية في المناطق الواقعة تحت النفود التركي.
بدأت هذه المرحلة بإبعاد العربية عن الإدارة عندما أعلن السلجوقيون في القرن الخامس الهجري اللغة الفارسية لغة رسمية لدولتهم التي ضمت القسم الشرقي من الدولة الإسلامية. وفي ذلك العصر بدأ الإيرانيون يؤلفون بالفارسية وبدأ بعضهم يهجر العربية، وألف بعض المفكرين بالعربية والفارسية، فالغزالي مثلا ألف كتابه "إحياء علوم الدين" بالعربية، وألف بالفارسية كتبًا كثيرة منها "التبر المسبوك". ويلاحظ في المؤلفات الفارسية المبكرة أي في القرن الخامس أنها اعتمدت اعتمادًا كليًّا على المصطلحات العلمية العربية. فقد كان الإيرانيون يستخدمون العربية في القرون الأربعة الأولى للهجرة لغة للتعبير وللتأليف. كان كل ما كتبه الإيرانيون في القرون السابقة بالعربية، وكانت عندهم لغة التأليف، وعندما حاولوا استخدام الفارسية اعتبروا العربية لغة الأساس، وأخذوا منها المصطلحات العلمية المختلفة. أما الأفعال وأدوات الربط اللغوي والألفاظ الأساسية البسيطة فكانت من اللغة الفارسية وهذا يشبه الكتابة العلمية بالألمانية أو بالسويدية، فمعظم المصطلحات لاتينية أو يونانية وأدوات الربط والأفعال والمفردات البسيطة من اللغة التي يفترض أن يكتب الإنسان بها.
لقد تغير الموقف في القرن الخامس الهجري إذ دخلت اللغة الفارسية مجال التأليف مدعمة بدولة فارسية مسلمة، ورأت هذه الدولة أن تجعل من الفارسية لغة الإدارة والسياسة ومن العربية لغة الدين. ولعل من الغريب أن أول المدارس العالية التي أنشئت لتعليم العربية إنما ظهرت في القرن الخامس الهجري وهي:"المدرسة النظامية" المنسوبة إلى نظام الملك، فقد أسست سنة ٤٥٩هـ. وكان تأسيس "المدرسة النظامية" في إطار الوضع اللغوي السائد، فقد اهتم السلجوقيون.