عجمتها واضحة أمامنا، إن مستخدم اللغة لا يهتم بتاريخ الكلمة أو بأصلها، وكل ما يهمه هو أن يستطيع استخدامها، فالمتحدث ساعة استخدامه للغة لا ينظر إلى حياة كل كلمة بل يستعمل الرمز اللغوي لنقل الفكرة أو الانفعال إلى المتلقى أو للتنفيس عن عاطفة أو شعور. إن ماضي الكلمة وتاريخ اللغة أمر علمي يهتم به الباحثون. ولا غرابة، فالإنسان يحتاج اللغة كما يحتاج هواء للتنفس، ولكن معرفة طبيعة عملية التنفس وطبيعة مكونات الهواء أمران علميان يهمان الباحث كموضوع للبحث، ولا يهتم الإنسان العادي إلا بالممارسة العملية للغة وللتنفس، فدراسة حياة كل كلمة عمل علمي.
ولننظر في كتاب الفهرست لابن النديم إلى العنوان البسيط التالي:"أسماء النقلة من اللغات إلى اللسان العربي". لكل اسم من كلمات هذا العنوان في تاريخ اللغة قصة، فكلمة "اسم" كلمة سامية قديمة نجدها في صورة أو أخرى في كل اللغات السامية، نجدها في النقوش الأكادية المؤرخة في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. فهذه الكلمة يزيد عمرها إذن على خمسة وأربعين قرنًا. وقد بحثت الكلمة في ضوء المنهج المقارن. ويرى معظم الباحثين أنها من أصل ثنائي هو السين والميم أو الشين والميم ثم تطورت بعد هذا في اتجاه الثلاثي، والألف التي نراها في الخط العربي في هذه الكلمة هي ألف وصل تسقط في نطق الكلمة في السياق. والصيغة التي أمامنا من الكلمة هي صيغة جمع التكسير، وجمع التكسير ظاهرة خاصة بالمجموعة الجنوبية من اللغات السامية، أي أنه يوجد في الحبشية والعربية الجنوبية والعربية الشمالية، ولا يوجد في اللغات السامية القديمة في العراق والشام.
والكلمة الثانية في هذه العبارة هي كلمة "نقلة" وهي من المادة العربية نقل، وهذه تفيد النقل المادي أي نقل شيء من مكان إلى آخر، وتطور المعنى هنا إلى النقل المعنوي ونقل الفكرة من لغة لأخرى. وهنا نؤرخ أن استخدام كلمة "ناقل- نقلة" بمعنى "مترجم، مترجمين" قد عرف في القرن الرابع الهجري