للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوانب الحضارية المختلفة التي تؤثر في حياة اللغة، ويحاول إيضاح عوامل انتشار اللغات وموتها وعوامل التجديد اللغوي ومشكلات الازدواج اللغوي وغير ذلك من المشكلات التي تتكرر في مجموعات إنسانية مختلفة. إن كل بحث دقيق يعد حول بنية أية لغة أو وظائفها في المجتمع هو بحث يفيد علم اللغة العام، ولذلك تتطور النظرية العامة للغة ولمناهج بحثها بتطور الأبحاث الجزئية في اللغات واللهجات المختلفة.

إن علم اللغة الحديث يحاول بتطوير مناهجه وبالإصرار على الدقة العلمية أن يصل إلى نتائج دقيقة. ولذلك استبعدت من البحث في اللغة تلك الموضوعات التي لا يمكن بحثها بمناهج دقيقة. وأشهر هذه الموضوعات نشأة اللغة، ومرجع الاهتمام القديم بهذا الموضوع إلى الدين، فقد تكونت عند الجماعات الدينية المختلفة آراء راسخة نسبيًّا حول نشأة اللغة الإنسانية، فاليهود يصرون على كونها هي العبرية ومسيحيو الشرق يجعلونها السريانية، وحار المؤلفون العرب، بين جعلها العربية أو السريانية١. وإذا كان المفكر العربي ابن حزم قد وجد أنه من العبث التفكير في اللغة الأولى عند الإنسان ونسبتها إلى الدين دون دليل٢، فإن علم اللغة الحديث لا يتناول البحث في قضية نشأة اللغة الإنسانية لعدم وجود منهج علمي لبحث ذلك. لقد حاول بعض الباحثين في القرن الماضي إعادة تكوين عدد من اللغات الموغلة في القدم مثل اللغة الهندية - الأوروبية الأولى واللغة السامية الأولى. واللغة الهندية - الأوربية الأولى هي الأصل المفترض الذي خرجت عنه كل لغات الأسرة الهندية - الأوربية المختلفة. واللغة السامية الأولى هي الأصل المفترض الذي خرجت عنه اللغات السامية المختلفة. ولكن محاولات إعادة تكوين اللغة الهندية- الأوربية الأولى واللغة السامية الأولى لم تنجح إلا في التعرف على بعض الخصائص المغرقة في القدم، ولكن من الصعب القول بأن


١ السيوطي: المزهر في علوم اللغة ١/ ٣٠-٣٥
٢ ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام ١/ ٣٠

<<  <   >  >>