للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتبه "الصاحبي في فقه اللغة"، وبذلك ظهر مصطلح فقه اللغة لأول مرة في التراث العربي عنوانًا لكتاب، وتسمية لفرع من فروع المعرفة. ولم ينتشر هذا المصطلح إلا بقدر محدود، وأشهر من استخدمه بعد ابن فارس- لغوي أديب هو الثعالبي، فقد سمى كتابه "فقه اللغة وسر العربية". يتفق كتابا ابن فارس والثعالبي، في معالجتهما لقضايا الألفاظ العربية، فموضوع فقه اللغة عندهما هو معرفة الألفاظ العربية ودلالاتها وتصنيف هذه الألفاظ في موضوعات وما يتعلق بذلك من دراسات١. يضم كتاب ابن فارس إلى جانب هذا مجموعة من القضايا النظرية حول اللغة، من أبرزها قضية نشأة اللغة، فإذا كان العلماء قد اختلفوا في ذلك فرآها البعض "اصطلاحًا" أي عرفًا اجتماعيًّا فإن ابن فارس رفض هذا الرأي واعتبرها توقيفًا أي بمنزلة الوحي المنزل من السماء٢. ولا يدخل موضوع اللغة ولا موضوع ارتباط اللغة بالوحي في إطار قضايا علم اللغة الحديث، لأنه ليس من الممكن بحث الموضوعين بمعايير علمية دقيقة.

كما تضمن كتاب الثعالبي قسمًا ثانيًا هو سر العربية، وقد تناول الثعالبي في القسم الثاني عددًا من الموضوعات الخاصة ببناء الجملة العربية. ولكن المؤلفين


١ تناول القسم الخاص بفقه اللغة في كتاب: فقه اللغة وسر العربية المفردات في مجموعات دلالية: النبات والشجر، أنواع الحيوان، الطعام، الثياب، الإبل، الآلات، والأدوات أوائل الأشياء وأواخرها، الطول والقصر، اليبس واللين، القلة والكثرة، الملء والصفورة والخلاء، الأصول والرءوس والأعضاء والأطراف، الأمراض والدواء، الأصوات وحكايتها، الحجارة..... إلخ.
٢ انظر: الصاحبي في فقه اللغة. وأيضا المزهر للسيوطي ١/ ٨ وما بعدها يتضح رأي ابن فارس في أصل اللغة من الفقرة التالية: وقف الله عز وجل آدم عليه السلام ما شاء الله أن يعلمه إياه مما احتاج إليه علمه في زمانه..... ثم علم بعد آدم من الأنبياء صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يعلمه حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فآتاه الله من ذلك ما لم يؤته أحدًا قبله، تمامًا على ما أحسنه من اللغة المتقدمة، ثم قر الأمر قراره، فلا نعلم لغة من بعده حدثت، فإن تعمل لذلك متعمل وجد من نقاد العلم من ينفيه ويرده، وقد وافق ابن حزم على القول بالأصل التوقيفي للغة الإنسانية ورفض خلط اللغات وعدم التمييز بينها ونسبة اللغات إلى الأنبياء دون دليل علمي، انظر: الإحكام في أصول الأحكام ص٣٠-٣١.

<<  <   >  >>