أن طبيعة اللغة تتخذ في المقام الأول صورة صوتية منطوقة مسموعة. فالكتابة في أحسن أحوالها محاولة للتعبير عن اللغة في واقعها الصوتي. وهذه المحاولة دقيقة أحيانًا وغير دقيقة في أكثر الأحيان. والكتابة محاولة لنقل الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، فاللغة تسمع بالأذن والكتابة ترى بالعين، الكتابة محاولة لترجمة الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، والكتابة محاولة لنقل اللغة من بعدها الزمني إلى البعد المكاني، فالظواهر الصوتية تتتابع في الزمن والحروف المكتوبة تتتابع في المكان. وإذا كانت اللغة في المقام الأول ظاهرة صوتية فمن الطبيعي أن يقوم البحث اللغوي بدراسة اللغة في صورتها الصوتية.
وعلينا أن نميز دائمًا بين الطبيعة الصوتية للغة وكيفية تدوين هذه اللغة، فالخط العربي شيء واللغة العربية شيء آخر، الخط العربي ذو إمكانات معينة يحاول بها التعبير عن الواقع الصوتي. ويدوّن الخط العربي الأصوات الصامتة مثل الباء والسين والصاد ... إلخ والحركات الطويلة وهي: الضمة الطويلة والفتحة الطويلة والكسرة الطويلة بحروف الكتابة العربية. الخط يتعامل بالحروف، وعلم اللغة يتعامل بالأصوات. يحاول الخط العربي بشكل ما تدوين أصوات اللغة العربية إلا أن الحركات القصيرة وهي الضمة والفتحة والكسرة ليست لها حروف في الخط العربي. ولذا فكتابتها أمر اختياري، ولكن الحركات القصيرة -شأنها شأن الحركات الطويلة والصوامت- عناصر أساسية في تكوين النظام اللغوي للعربية وكل اللغات. يؤدي تغيير الحركات إلى تغيير المعنى فالفرق بين ضرب المبني للمعلوم وضُرب المبني للمجهول فرق في الحركات أدى إلى تحول في الصيغة وتغير في المعنى.
وثمة فرق أساسي بين مجموع الحروف ومجموع الأصوات في أنماط كثيرة من الكلمات العربية فالفعل الماضي: كتبوا، سافروا.... إلخ ينتهي بألف ليست لها أية دلالة صوتية. وعلى العكس من هذه الظاهرة نجد الحروف التي تكتب بها كلمات كثيرة أقل عددًا من الأصوات المكونة لها. وبعض الحركات