للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب يعتمدون على قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ١ وهذا النص كماترى، ليس صريحًا كما يدعون؛ إذ يحتمل أن يكون معناه -كما ذكر ذلك ابن جني في كتابه الخصائص, وذهب إليه كثير من أئمة المفسرين: إن الله تعالى أقدر الإنسان على وضع الألفاظ. أما القائلون بهذه النظرية من الفرنجة، فيعتمدون على ما ورد بهذا الصدد في سفر التكوين؛ إذ يقول: "والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها, وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان, فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول"٢: وهذا النص، كما ترى، لا يدل على شيء مما يقول به أصحاب هذه النظرية، بل يكاد يكون دليلًَا عليهم. وفضلًا عن هذا كله, فإن هذه النظرية تغفل إغفالًَا تامًّا المشكلة الرئيسية التي تهمنا, وحدُّها في هذا البحث, والتي حددناها تحديدًا دقيقًا في صدر هذه الفقرة.

النظرية الثانية: تقرر أن اللغة ابتدعت واستحدثت بالتواضع والاتفاق وارتجال ألفاظها ارتجالًا, وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلوسف اليوناني ديموكريت Democrite -من فلاسفة القرن الخامس ق م- وفي العصور الوسطى كثير من الباحثين في فقه اللغة العربية، وفي العصور الحديثة الفلاسفة الإنجليز آدم سميث Adem Smith, وريد Reid, ودجلد ستيوارث Dugald Stewart.

وليس لهذه النظرية أي سند عقلي أو نقلي أو تاريخي, بل إن ما تقرره ليتعارض مع النواميس العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية, فعهدنا بهذه النظم أنها لا ترتجل ارتجالًا ولا تخلق خلقًا، بل تتكون بالتدريج من تلقاء نفسها. هذا إلى أن التواضع على التسمية


١ سورة البقرة، آية ٣١.
٢ انظر الفقرتين ١٩، ٢٠ م الإصحاح الثاني من سفر التكوين.

<<  <   >  >>