للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغريزة كانت تحمل كل فرد على التعبير عن كل مدرك حسي أو معنوي بكلمة خاصة به، كما أن غريزة "التعبير الطبيعي عن الانفعالات" تحمل الإنسان على القيام بحركات وأصوات خاصة "انقباض الأسارير وانبساطها، وقوف شعر الرأس، الضحك، البكاء ... إلخ" كلما قامت به حالات انفعالية معينة "الغضب، الخوف، الحزن، السرور ... إلخ"، وأنها كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها ووظائفها وما يصدر عنها، وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات, وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى، فاستطاع الأفراد التفاهم فيما بينهم، وأنه بعد نشأة اللغة الإنساينة الأولى لم يستخدم الإنسان هذه الغريزة, فأخذت تنقرض شيئًا فشيئًا حتى تلاشت, كما انقرض لهذا السبب كثير من الغرائز الإنسانية القديمة. ومن أشهر من ذهب هذا المذهب العلامة الألماني مكس مولر١ Max Muller، والعلامة الفرنسي رينان Rena ٢.

وقد اعتمد مكس مولر في تأييد هذه النظرية على أدلة مستمدة من البحث في أصول الكلمات في اللغات الهندية الأوربية٣؛ فقد ظهر له أن مفردات هذه اللغات جميعها ترجع إلى خمسمائة أصل مشترك، وأن هذه الأصول تمثل اللغة الأولى التي انشعبت منها هذه الفصيلة، فهي لذلك تمثل اللغة الإنسانية في أقدم عهودها. وتبين له من تحليل هذه الأصول أنها تدل على معانٍ كلية، وأنه لا تشابه مطلقًا بين أصواها, وما تدل عليه من فعل أو حالة.

ففي دلالتها على معانٍ كلية برهان قاطع على أن اللغة الإنسانية الأولى لم تكن نتيجة تواضع واتفاق، كما يذهب إلى ذلك أصحاب النظرية الثانية السابق ذكرها؛ لأن التواضع فضلًا عن تعارضه مع طبيعة النظم الاجتماعية كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، يتوقف هو


١ انظر ترجمته في التعليق الخامس بصفحة ٥٥.
٢ انظر ترجمته في التعليق الثاني بصفحة ٥٦.
٣ هي إحدى الفصائل التي ترجع إليها اللغات الإنسانية, كما سيأتي الكلام على ذلك بتفصيل في الفصل الثاني من الباب الثاني.

<<  <   >  >>